skip to main |
skip to sidebar
7:02 ص
أبو صهيب الحنبلي
[جواب لسؤال عبر الآسك]
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية: كثيرا ما أجبت عن معنى الطائفة الممتنعة, ربما هو أكثر سؤال تعرضت له عبر الآسك, وازداد هذا الأمر مؤخرا حتى صرت أتعمد إهمال هذا السؤال وأحيانا أكتفي بالعزو لجواب سابق, وغالبا ما يقع الالتباس في شيئين:
الأول: هل تكفر الطائفة الممتنعة: وهذا مفهوم لوقوع الخلاف فيه بين الفقهاء.
الثاني: الفرق بين الطائفة الباغية والطائفة الممتنعة, وهو مفهوم أيضا فقد وقع الالتباس فيه قديما, يقول شيخ الإسلام: [وهذا موضع اشتبه على كثير من الناس من الفقهاء المصنفين في قتال أهل البغي جعلوا قتال مانعي الزكاة، وقتال الخوارج، وقتال علي لأهل البصرة، وقتاله لمعاوية وأتباعه من قتال أهل البغي, وذلك كله مأمور به، وفرعوا مسائل ذلك تفريع من يرى ذلك بين الناس، وقد غلطوا بل الصواب ما عليه أئمة الحديث، والسنة، وأهل المدينة النبوية، كالأوزاعي، والثوري، ومالك، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، أنه يفرق بين هذا وهذا ] الفتاوى الكبرى (3/ 559)
وهنا سأتعرض للعنصر الثاني فقط, وربما أنوه عن الثاني وراجحه. [إن شاء الله]
فأقول:
هناك مشاكلة بين البغي والامتناع, فالامتناع إنما عن تطبيق شعيرة من شعائر الإسلام [وسأفسر لك معنى هذا الامتناع لكن دعني أولا أبين لك معنى البغي لأن كثيرا من الإخوة لم ينتبه له]
أما البغي: فإنما هو قتال طائفتين بتأويل, كل طائفة ترى أن الحق معها أو أنه موافق للشرع, ولأجل هذا وجب على الإمام [إن وجد] دعوتهم والاستماع لهم [وإن طائفتان من المؤمنين اقتلوا فأصلحوا بينهما ..] فإن فاءت انتهت القضية.
وإلا فننتقل للخطوة الثانية [إن بغت] لاحظ هناك قتالان الأول قتال سجال لا يعرف فيه بغي أو كان فيه مشاكلة أو جهل بواقع الحال, وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية عن سعيد بن جبير أنه قال: [كان بين الأوس والخزرج قتال بالسيف والنعال فأنزل هذه الآية ..] وقد روى الطبري أن القتال كان بالنعال والجريد, وفي رواية أنه كاد يكون بينهم قتال, ذكرها الطبري أيضا, والأخير هو الأقرب.
نعيد هذه النقطة:
القتال الأول: [اقتتلوا] المعاملة الشرعية قبل كل شيء [فأصلحوا بينهما].
القتال الثاني: [فإن بغت] أي إحدى الطائفتين, والبغي المجاوزة في الحد.
فإذا تساوت الطائفتان لم توصف طائفة بالبغي .. وإن بغت إحداهما فلا يسمى القتال بغيا إلا بعد معاينة الحال ومعرفة البادئ وأسباب ذلك.
كما أن البغي قد يكون أصله حق لكن مع تجاوز, فمثلا: [ وهذا مثال للتقريب لا أصف واقعا.]
لو أن الدولة الإسلامية بدأت بقتال النصرة أو العكس [هذا اسمه بغي] فإذا قامت النصرة [أو العكس] برد عاديتها [لم يكن ذلك بغيا], ولا يجوز لها التعدي متى قدرت, لأن المقصود هو دفع عادية المعتدي لا إهلاكه. [وهو مذهب القائلين بقتال البغاة] أفاده ابن تيمية في الخلافة والملك.
إذن وجه المشاكلة أن كلا البغي والامتناع قد يجتمعا في رفع السلاح, وقد تقرر أنه يجب الإصلاح بينهما إلا عند المعاندة والامتناع عن الرجوع فهنا تبقى على الإسلام مع وجوب ردعها [فإن بغت إحداهما], يقول ابن زيد: [هذا أمر من الله أمر به الوُلاة كهيئة ما تكون العصبة بين الناس، وأمرهم أن يصلحوا بينهما، فإن أبوْا قاتل الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله، فإذا رجعت أصلحوا بينهما، وأخبروهم أن المؤمنين إخوة، فأصلحوا بين أخويكم; قال: ولا يقاتل الفئة الباغية إلا الإمام.] تفسير الطبري ت شاكر (22/ 293)
قلت: وقوله ولا يقاتل الفئة الباغية إلا الإمام: [أي حال وجوده], يقول الإسماعيلي في اعتقاد أئمة الحديث (ص: 18): [ ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العادل، إذا كان ووجد على شرطهم في ذلك.]
ولأجل هذا كان قتال الصحابة فتنة, ولم يكن قتال بغي لكونه افتقد شرط الإصلاح قبل القتال.
قال الذهبي: [وأما السلف كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم فيقولون لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية فإن الله يأمر بقتالها ابتداء بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بغت إحداهما قوتلت] المنتقى للذهبي (ص: 251)
أما الامتناع المخصوص: فهو إذا امتنعت طائفة عن الامتثال لأمر من أوامر الله الظاهرة,
يقول شيخ الإسلام:
[وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين، وامتنعوا عن الصلاة، والزكاة، أو صيام شهر رمضان، أو حج البيت العتيق، أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة، أو عن تحريم الفواحش، أو الخمر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق، أو الربا، أو الميسر، أو الجهاد للكفار، أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب، ونحو ذلك من شرائع الإسلام، فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله.] الفتاوى الكبرى (3/ 557)
قلت: لاحظ هنا [الظاهرة المتواترة] فخرج بهذا ما احتمل التأويل والاشتباه أو كان لسوء فهم أو لجهل حال أو لوقيعة, أو لحق مهضوم وإن كان بوسيلة غير مشروعة, يقول ابن مفلح [وفي رد شيخنا – يعني ابن تيمية - على الرافضي الأمة يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه بالسيف وخبر المقداد قال فقد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم ومع هذا فلم يضمن المقتول بقود ولا دية ولا كفارة لأن القاتل كان متأولا هذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهما] الفروع (6/ 201) وانظر أيضا اختيارات الفقهية لابن تيمية جمع البغلي وأضافها محمد بن عبد الرحمن بن القاسم فيما استدركه على الفتاوى.
بل وقع الخلاف في الامتناع عن ترك السنن وما شابه, يقول الشيخ: [وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة - عند من لا يقول بوجوبها - ونحو ذلك من الشعائر.] مجموع الفتاوى (28/ 503)
ولهذا كان مذهب شيخ الإسلام تكفير من امتنع بشوكة [لأنه اشترط الامتناع عن واجب من شعائر الإسلام الظاهرة المتواترة] فلا جهل معتبر ولا تأويل ولا إكراه ولا خطأ, فرفعهم للسيف يرفع عنهم اشتراط الحجة قبل القتال, وظهور الشعيرة وتواترها يرفع عنهم الإعذار, ولأجل هذا اختار الشيخ قتالهم وردتهم, وهو الصحيح, وأما سبب الخلاف بين الفقهاء فهو نظري أكثر منه واقعا, ولتداخل معنى الامتناع والبغي كما تقدم, ولعلنا نفرد لهذا مبحثا آخر إذا احتجنا له [إن شاء الله].
وإذا سقنا ما وقع لمولانا علي بن أبي طالب ومولانا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما, لعلمنا أن النص الشرعي [تقتله الفئة الباغية] [إن صح وقد وقع فيه خلاف قديم يقول الذهبي في المنتقى من منهاج الاعتدال (ص: 251): (قال لعمار تقتلك الفئة الباغية قلنا الخبر صحيح وقد تكلم فيه بعضهم وبعضهم تأوله على أن الباغي الطالب وهذا لا شيء) والزيادة [تقتلك الفئة الباغية] في صحيح مسلم وأهملها البخاري, وذهب ابن تيمية إلى أنها وقعت في بعض نسخ البخاري, بل وُصِفَ الخبر بالتواتر كما ذكر الذهبي في السيَر] فهذا الخبر وواقعه يقتضي أن فئة معاوية هي الأحق بالوصف بالبغي, وقد قتل عمار أصحاب معاوية وهو أبو الغادية, واتفق السلف على أن عليا وصحبه هم أولى الطائفتين, ومع ذلك فقد استقر الإجماع على أن الحق هو ترك القتال وانه قتال فتنة كما ذكر شيخ الإسلام, وأنه فقد شرط الدعوة والإصلاح كما مذهب السلف ولأجل هذا كان الحق في اجتنابها, وقد دفع الإشكال المظنون في اجتماع البغي مع الفضل وحسن السيرة, في غير موضع خلافا للوعيدية الذي لا يرون اجتماع الحسنات والسيئات, وقال أيضا: [وكل من كان باغيا أو ظالما أومعتديا أو مرتكبا ماهو ذنب فهو ( قسمان ( متأول وغير متاول] الخلافة والملك لابن تيمية (35/ 75).
الخلاصة:
إذن تقرر لنا ما يلي:
الامتناع: ما نشأ عن إعراض عن شعيرة متواترة بقوة وشوكة.
البغي: ما نشأ عن تأويل ولو تخلل هذا التأويل فساد على أن يكون كلا الطائفتين خاضعين للشريعة مستمسكين لها في الجملة, حتى وإن أعرضت إحداهما بتأويل, وفي ذلك يقول الطبري: [يقول تعالى ذكره: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا، فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى) يقول: فإن أبَت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله له، وعليه وتعدّت ما جعل الله عدلا بين خلقه، وأجابت الأخرى منهما (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) يقول: فقاتلوا التي تعتدي، وتأبى الإجابة إلى حكم الله (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) يقول: حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) يقول: فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه، فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى التي قاتلتها بالعدل: يعني بالإنصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه.] تفسير الطبري ت شاكر (22/ 292)
فإن صاحب هذا البغي اعتقاد حل دماء المسلمين فهو اعتقاد الخوارج. [وصفات الخوارج تحتاج جهدا لأن بعض الناس عندهم اضطراب في بيان صفاتها من جهة الصفات الأصيلة أو التي هي علة لبدعتهم والصفات العارضة, وخلل في التفريق بين الصفات المعينة لأقوام (قراءة القرآن لا يجاوز تراقيهم – سماهم الحلق ) والصفات التي لأجلها استحقوا وصف الخروج]
فإن كان مع هذا البغي استحلال دماء وأموال المسلمين من دون اعتقاد حل ذلك فهم قطاع طرق.
وجميع هؤلاء وجب قتالهم كما تقرر آنفا.
ــــــــــــ
والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو صهيب الحنبلي.
تصنيف :
0 التعليقات:
إرسال تعليق