من شرحي على حائية ابن أبي داود:
قال الإمام:
ولا تَــكُ مُرْجِيـًّا لَعُوبًا بِدِينِـهِ
[30]
ألا إنَّمَا المُرْجيُّ بالدِّينِ يَمْـزَحُ
وقُــلْ إنَّما الإيمانُ قـَوْلٌ ونيَّـةٌ
[31]
وِفعْلٌ عَلَى قَـولِ النبيِّ مُصَرَّحُ
ويَنْقُصُ طَـوْرًا بالمعَاصِي وَتَـارةً
[32]
بطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزنِ يَرْجَحُ
ــــــــــــــــــــــــ
الشرح:
((ولا تَــكُ مُرْجِيـًّا لَعُوبًا بِدِينِـهِ))
((ولا تك)): لا الناهية, و((تك)) أصلها تكون ثم حذفت الواو للجزم بعد دخول لا الناهية ثم النون جوازا للتخفيف والتسهيل, وقد مر بنا عند قول المصنف: (( ولا تك بدعيا لعلك تفلح )).
((مرجيا)): أصلها مرجئا وقلبت الهمزة ياء للتسهيل أو للضرورة الشعرية, وكان من عادة العرب قلب الهمز ياء تخفيفا.
وأصل الإرجاء التأخير, لأنهم أخروا العمل عن الإيمان, وقيل إعطاء الرجاء لأنهم قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة, وعلى المعنى الأول أدخل بعض مصنفي الملل الوعيدية ضمن المرجئة قالوا: لأنهم أخروا الحكم على صاحب الكبيرة.([1])
والمرجئة أقسام:
أما المرجئة الخالصة فهي ستة رؤوس: اليونسية والعبيدية والغسانية والثوبانية والتومنية والصالحية.
يقولون الإيمان: هو المعرفة بالله وترك الاستكبار والخضوع له ومحبته بالقلب, والعمل ليس منه ولا يضره الذنب, وإبليس عارف بالله إلا أنه كفر لاستكباره وهو مذهب اليونسية وقريب منهم العبيدية, والتومنية تشبه اليونسية إلا أنها ترى أن الإيمان هو حاصل ترك خصال الكفر ولا يقال لفاعل الكبيرة والصغيرة فاسق ما أقر وقالوا من قتل نبيا كفر لا لقتله ولكن لاستخفافه, وبعضهم يشترط الإقرار بما لا يخالف العقل وهو مذهب الثوبانية, أما الصالحية فهي أكثرهم غلوا, فالإيمان عندهم: هو معرفة الله وهي كونه صانعا, والذي يقول: إن الله ثالث ثلاثة لا يكفر بمجرد الكلمة إنما فقط من العادة ألا تخرج إلا من كافر. ([2])
القسم الثاني: الذين يقولون: الإيمان هو التصديق بالجنان, وأما القول باللسان والعمل بالأركان ففروعه, فمن صدق بالقلب أي أقر بوحدانية الله تعالى واعترف بالرسل تصديقا لهم فيما جاءوا به من عند الله تعالى بالقلب صح إيمانه حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمنا ناجيا ولا يخرج من الإيمان إلا بإنكار شيء من ذلك وهو مذهب الأشاعرة والماتريدية. وهؤلاء يجعلون الإيمان شيئا واحدا لا يتجزأ وبالتالي لا يزيد ولا ينقص كما المرجئة الخُلَّص([3])
القسم الثالث: الذين يقولون: إن الإيمان هو النطق باللسان ولو لم يعتقد بقلبه, وهو مذهب الكرامية, ورؤوسهم ستة: الزرينية والعابدية والإسحاقية والتونية والواحدية والهيصمية وهي أقلهم ضلالة.([4])
القسم الرابع: وهم القائلون إن الإيمان: هو النطق باللسان والاعتقاد بالقلب, وهؤلاء هم أخف أقسام المرجئة وهم مرجئة الفقهاء, وهؤلاء يقولون: إن العمل لازم القول والاعتقاد إلا أنه خارج عن مسمى الإيمان وهو شيء واحد لا يتجزأ, وأصل هذا القول وبعده عن لفظ أهل السنة أنهم كانوا في موضع الرد على المعتزلة. ولذلك يقال: إنهم أصابوا الحق في وجه وخالفوه في وجه آخر.
- فمن حيث التلازم بين عمل القلب وعمل الجوارح أصابوا الحق.
- ومن حيث: إخراجهم العمل عن مسمى الإيمان وقولهم إن الإيمان جزء واحد لا يتجزأ فهو بدعي وافقوا فيه أهل الإرجاء ولذلك دخلوا ضمن المرجئة.
((ألا إنَّمَا المُرْجيُّ بالدِّينِ يَمْـزَحُ))
((ألا)): هي الاستفتاحية لتنبيه المخاطب.
((إنما المرجيُّ)) إن للتوكيد وما كفتها عن العمل, والمرجي: أصلها المرجئُ أي من أرجأ العمل عن مسمى الإيمان على ما تقدم بيانه.
((بالدين)) الباء هنا هي باء التعدية القائمة لإيصال المعنى إلى المفعول به. والدين ما يدان به, واللام هنا هي العهدية وهو دين الإسلام الذي لا يقبل الله سواه.
((يمزح)): وفي نسخة: ((يمرح)) بالراء المفتوحة, وأصل ((يمزح)) من الممازحة, و((يمرح)) من المرح وهو شدة الفرح حتى يتجاوز المرء قدره, وكلاهما بمعنى الهزل واللعب أو بمعنى التجاوز أو التهاون في أمور الدين وحرماتها, فهؤلاء تلاعبوا بالدين وتهاونوا في أوامره ونواهيه ونزعوا الخوف من الله من قلوب الناس, ولذلك قال إبراهيم النخعي: [لأنا لفتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الازارقة ] ويقول قال إبراهيم تركت المرجئة الدين ارق من ثوب سابري ] وقال شريك: هم اخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى ([5]).
((وقُــلْ إنَّما الإيمانُ قـَوْلٌ ونيَّـةٌ)):
((وقل)) بلسانك واعتقد بقلبك وجنانك.
((إنما)) مستدركا على المخالفين, و(إن) للتوكيد, و(ما) كفتها عن العمل, وهي للحصر, على الصحيح, ورجحه شيخ الإسلام.
((الإيمان)): عند أهل السنة ومراده اصطلاحا. والإيمان لغة على قولين:
فقالت طائفة من أهل العلم هو التصديق, يقول الجوهري:
وأما " الإيمان " فهو مصدر: آمن يؤمن إيمانا؛ فهو مؤمن. واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن " الإيمان " معناه: التصديق؛ وقال الله تعالى:) قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا))([6]).
o وذهب شيخ الإسلام إلى أن الإيمان لغة هو الإقرار, قال - رحمه الله -: ((فأصل الإيمان الإقرار والتصديق وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن))([7]), ويقول: ((يقال أقررت له فكان تفسيره بلفظ الإقرار أقرب من تفسيره بلفظ التصديق مع أن بينهما فرقا))([8])
* قلت: كثير من المنتسبين للسنة ممن يقول الإيمان هو التصديق لغة, يقولون إن تعريف الإيمان الاصطلاحي الشرعي أعم من اللغوي ولا يلتزمون قول المرجئة, فمثلا يقول ابن كثير: ((قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك - ثم يقول - فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا.))([9]) , بخلاف من لم يفرق بين المعنى اللغوي والاصطلاحي من المرجئة, قال النيسابوري وقال الأستاذ أبو إسحاق في المختصر الإيمان في اللغة والشريعة التصديق ولا يتحقق ذلك إلا بالمعرفة والإقرار))([10]).
((قول)): وهو قول اللسان, وهو النطق بالشهادتين. فمن لم ينطق بلسانه فليس بمسلم لا في الدنيا ولا في الآخرة بإجماع السلف, وقد قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}([11]), قال البغوي: [{ وجحدوا بها } أي: أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله، { واستيقنتها أنفسهم } أي: علموا أنها من عند الله، قوله: { ظلما وعلوا } أي: شركا وتكبرا ]([12])
مسألة: هل يكتفى في قبول الإسلام بشهادة (لا إله إلا الله)؟
* لا يكتفى بها وإنما يكف عنه بها القتال كما ثبت في حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - ثم يطلب منه الإقرار بالرسالة والعمل بمقتضاها وهذا في حق الكافر الأصلي, أما المرتد فإنما يدخل من الباب الذي خرج منه فإن خرج بجحوده شيئا فإنما عليه الإقرار بما جحد وإن كان لترك الصلاة مثلا فعليه إتيانها, وهكذا قال الحافظ ابن حجر عقب حديث ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)): [وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فان شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله إلا بحق الإسلام قال البغوي: الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقر بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله فان كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق فان كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد وبه صرح القفال]([13]), ولم يشترطه الأشاعرة والماتريدية وإنما قالوا هو فرع واجب على تصديق القلب ويلزم لإجراء أحكام الدنيا, وإلا فقد يكون مسلما في الحقيقة كافر عندنا.
((ونية)): وهذا ما يعبر عنه بقول القلب وهو التصديق المنافي للشك, بل بكل ما صح عن الله ورسوله والتسليم والاستسلام والانقياد القلبي لهما, وهذا لم يشترطه الجهمية إنما اشترطوا فقط مجرد المعرفة بوجود الصانع, وكذا الكرامية قالوا النطق فقط, كما تقدم, وهؤلاء صححوا إيمان المنافق كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }([14])
((وفعل)) ويعبر عنه بالعمل, وهو نوعان: عمل القلب, كالخوف والرجاء والمحبة وهذا ما لم تشترطه غلاة الجهمية والكرامية, وعمل الجوارح, وهذا ما لم يشترطه مرجئة الجهمية والأشاعرة والماتريدية والكرامية ومن حذا حذوهم من مرجئة الحكام من مداخلة العصر.
وقد قال شيخ الإسلام: ((وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات لا لأجل ان الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه وحكمه من غير إيمان بالله ورسوله لم يخرج بذلك من الكفر فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد, ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه فهذا نزاع لفظي كان مخطئا خطئا بينا وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها))([15])
((على قول النبي مصرح)): ولهذا معنيان: إما أن يريد أن الفعل على السنة فهو شرط كما في الحديث: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )), ولهذا كان يقول السلف: الإيمان قول وعمل ونية واتباع سنة, وإما أن يكون مراد المصنف أن هذا منصوص عليه في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وربما يريد معناه منصوص عليه وهذا المعنى متواتر, وإن أراد ما جاء بلفظه: ((الإيمان قول وعمل يزيد وينقص )) فقد روي مرفوعا بسند ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر([16])
قال البخاري: [ بَاب اْلايمَان وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}وَقَوْلُهُ{أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ{فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}وَقَوْلُهُ تَعَالَى{وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}وَقَالَ مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ{شَرَعَ لَكُمْ}أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}سَبِيلًا وَسُنَّةً ]([17]), وقال الحافظ: [ وفي رواية الكشميهني قول وعمل وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين اطلقوا ذلك ]([18]), بل الإجماع منعقد على هذا المعنى:
فنقول:
أجمع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ونية, قال ابن كثير: (( فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا, هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثار))([19]).قلت: ومن الإجماع على ذلك ما رواه اللالكائي وذكره شيخ الإسلام عن الشافعي فقال: ((وقال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم فى باب النية فى الصلاة يحتج بأن لا تجزئ صلاة إلا بنية بحديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبى إنما الأعمال بالنيات ثم قال وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر))([20]).
وقد عرف المصنف الإيمان بـ (قول وفعل ونية) ويذهب غيره إلى أنه (قول وعمل) , أو قول وعمل ونية واتباع سنة, وكلها بمعنى صحيح قال شيخ الإسلام: ((ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الايمان فتارة يقولون هو قول وعمل وتارة يقولون هو قول وعمل ونية وتارة يقولون قول وعمل ونية واتباع السنة وتارة يقولون قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وكل هذا صحيح))([21]).
والمقصود هنا أن من قال من السلف الايمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح, ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب, ومن قال قول وعمل ونية قال القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك, ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة, وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط فقالوا بل هو قول وعمل والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الايمان ما هو فقال قول وعمل ونية وسنة لأن الايمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة))([22]).
((ويَنْقُصُ طَـوْرًا بالمعَاصِي وَتَـارةً))
((وينقص)) أي الإيمان, والنقص ضد الزيادة, وما يزيد لابد أنه ينقص وما ينقص لابد أنه يزيد.
((طورا)) مفرد أطوارا كما في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا }([23]), والمعنى: أي تارة.
((بالمعاصي)) جمع معصية ويدخل فيها الكبائر والصغائر وهو اسم جامع لكل ما حرمه الله سواء من ترك الواجبات أو فعل المنهيات وقد مر بنا قريبا, وينقص أيضا بالمكروهات كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
((وتارة)) أخرى, هي هنا جملة استئنافية.
((بطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزنِ يَرْجَحُ))
((بطاعته)) الباء سببية, والطاعة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة وهو أحد معاني العبادة, إذ تلق العبادة ويراد بها الفعل نفسه, وتطلق ويراد بها المتعبد به وهو المفعول به كالصلاة والزكاة من أفعال الجوارح, والمحبة والخوف والرجاء والتوكل من الأفعال القلبية.
((ينمي)): أي الإيمان, من نمى ينمي نماءً, وهو الزيادة.
((وفي الوزن)) قد يراد به الميزان, وقد يراد به الموزون, وفيه أن الأعمال توزن أيضا.
((يرجح)) من الرجحان, ويستعمل للشيء إذا زاد وزنه, وقد تقدم قريبا, وفيه أن الطاعات تكون حقيقية توزن وترجح, على ما ذكرنا في بابه.
وعلى ذلك نقول:
فالإيمان: يزيد بالطاعة من الواجبات والمستحبات, كما ينقص الإيمان بالمحرمات والمكروهات, قال شيخ الإسلام في رسالة في مقام الإيمان له: ((اسم الإيمان يستعمل مطلقا ويستعمل مقيدا وإذا استعمل مطلقا فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين يجعلون الإيمان قولا وعملا يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويدخلون جميع الطاعات فرضها ونفلها في مسماه وهذا مذهب الجماهير من أهل الحديث والتصوف والكلام والفقه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم, ويدخل في ذلك ما قد يسمى مقاما وحالا مثل الصبر والشكر والخوف والرجاء والتوكل والرضا والخشية والإنابة والإخلاص والتوحيد وغير ذلك ومن هذا ما خرج في الصحيحين عن النبي أنه قال الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان فذكر أعلا شعب الإيمان وهو قول لا إله إلا الله فإنه لا شيء أفضل منها))([24])
لكن لا يزول الإيمان لمجرد إتيان المكروهات أو ترك المستحبات, قال شيخ الإسلام: ثم أن نفى الايمان عند عدمها دل على أنها واجبة وان ذكر فضل إيمان صاحبها ولم ينف إيمانه دل على أنها مستحبة فان الله ورسوله لا ينفى اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله لا صلاة إلا بأم القرآن وقوله لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ونحو ذلك, فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب فان هذا لو جاز لجاز أن ينفى عن جمهور المؤمنين اسم الايمان))([25])
والإجماع منعقد على أن الإيمان يزيد وينقص:
قال الإسماعيلي في بيانه لعقيدة أهل الحديث: ((ويقولون إن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، من كثرت طاعته أزيد إيمانا ممن هو دونه في الطاعة))([26]), وقال الآجري: ((ما أحسن ما قال محمد بن علي رضي الله عنهما، وذلك: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية))([27]).
وقال ابن عبد البر: وعلى أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية جماعة أهل الآثار والفقهاء أهل الفتوى بالأمصار))([28])
قلت: ومن الأدلة على أن الإيمان يزيد وينقص:
قوله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} - {وزدناهم هدى} - {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} - {والذين اهتدوا زادهم هدى} - {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} - {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} - {فاخشوهم فزادهم إيمانا} - {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما}، وغير ذلك من الآيات، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تكونون في كل حالة كحالتكم عندي لصافحتكم الملائكة»([29])
والقول بعدم زيادة الإيمان ونقصانه وأنه لا يذهب بعضه ويبقى بعضه, فهو شيء واحد هو أصل قول المرجئة وهو الذي جعلهم يخرجون العمل عن مسمى الإيمان, على نحو ما ذكرنا تفصيلا عند ذكر أقسام المرجئة, والله تعالى أعلم.
([1]) قال صاحب الشهرستاني: وقيل الإرجاء : تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان))(1\138), وهذا غريب إذ لو صح هذا لدخل أهل السنة ضمن المرجئة فإنهم يغالون في علي فأدناهم يقول: إنه أحق من أبي بكر في الأولوية بينما يرى أهل السنة أنه رابع الخلفاء في الفضل والخلافة على ما استقر عليه أهل السنة بعد خلاف في التفاضل بينه وبين عثمان – رضي الله عنهما -.
([2]) الملل والنحل: (1\138).
([3]) المصدر السابق (1\93). ومجموع الفتاوى (7\510).
([4]) الملل والنحل ((1\107)).
([5])السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 312 وما بعدها)
([6])تهذيب اللغة للجوهري باب آمن.
([7])الإيمان الكبير ضمن مجموع الفتاوى (7/ 324)
([8])مجموع الفتاوى (7/ 291)
([9])تفسير ابن كثير (1/ 165)
([10])الفتاوى الكبرى (6/ 508)
([11])[النمل: 14]
([12])تفسير البغوي (6/ 147)
([13])فتح الباري (12/ 279)
([14])[البقرة: 8]
([15]) مجموع الفتاوى (7\621).
([16]) فتح الباري (1\46).
([17])صحيح البخاري ت (1/ 11)
([18])فتح الباري (1/ 46)
([19])تفسير ابن كثير (1/ 165)
([20])مجموع الفتاوى (7/ 171)
([21])مجموع الفتاوى (7/ 170)
([22])مجموع الفتاوى (7/ 209)
([23])[نوح: 14]
([24])مجموع الفتاوى (7/ 642)
([25])مجموع الفتاوى (7/ 14)
([26])اعتقاد أئمة الحديث (ص: 15)
([27])الشريعة (ص: 110)
([28])التمهيد (9/ 252)
([29])من أعلام السنة للحكمي(صــ40ـــ)
قال الإمام:
ولا تَــكُ مُرْجِيـًّا لَعُوبًا بِدِينِـهِ
[30]
ألا إنَّمَا المُرْجيُّ بالدِّينِ يَمْـزَحُ
وقُــلْ إنَّما الإيمانُ قـَوْلٌ ونيَّـةٌ
[31]
وِفعْلٌ عَلَى قَـولِ النبيِّ مُصَرَّحُ
ويَنْقُصُ طَـوْرًا بالمعَاصِي وَتَـارةً
[32]
بطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزنِ يَرْجَحُ
ــــــــــــــــــــــــ
الشرح:
((ولا تَــكُ مُرْجِيـًّا لَعُوبًا بِدِينِـهِ))
((ولا تك)): لا الناهية, و((تك)) أصلها تكون ثم حذفت الواو للجزم بعد دخول لا الناهية ثم النون جوازا للتخفيف والتسهيل, وقد مر بنا عند قول المصنف: (( ولا تك بدعيا لعلك تفلح )).
((مرجيا)): أصلها مرجئا وقلبت الهمزة ياء للتسهيل أو للضرورة الشعرية, وكان من عادة العرب قلب الهمز ياء تخفيفا.
وأصل الإرجاء التأخير, لأنهم أخروا العمل عن الإيمان, وقيل إعطاء الرجاء لأنهم قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة, وعلى المعنى الأول أدخل بعض مصنفي الملل الوعيدية ضمن المرجئة قالوا: لأنهم أخروا الحكم على صاحب الكبيرة.([1])
والمرجئة أقسام:
أما المرجئة الخالصة فهي ستة رؤوس: اليونسية والعبيدية والغسانية والثوبانية والتومنية والصالحية.
يقولون الإيمان: هو المعرفة بالله وترك الاستكبار والخضوع له ومحبته بالقلب, والعمل ليس منه ولا يضره الذنب, وإبليس عارف بالله إلا أنه كفر لاستكباره وهو مذهب اليونسية وقريب منهم العبيدية, والتومنية تشبه اليونسية إلا أنها ترى أن الإيمان هو حاصل ترك خصال الكفر ولا يقال لفاعل الكبيرة والصغيرة فاسق ما أقر وقالوا من قتل نبيا كفر لا لقتله ولكن لاستخفافه, وبعضهم يشترط الإقرار بما لا يخالف العقل وهو مذهب الثوبانية, أما الصالحية فهي أكثرهم غلوا, فالإيمان عندهم: هو معرفة الله وهي كونه صانعا, والذي يقول: إن الله ثالث ثلاثة لا يكفر بمجرد الكلمة إنما فقط من العادة ألا تخرج إلا من كافر. ([2])
القسم الثاني: الذين يقولون: الإيمان هو التصديق بالجنان, وأما القول باللسان والعمل بالأركان ففروعه, فمن صدق بالقلب أي أقر بوحدانية الله تعالى واعترف بالرسل تصديقا لهم فيما جاءوا به من عند الله تعالى بالقلب صح إيمانه حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمنا ناجيا ولا يخرج من الإيمان إلا بإنكار شيء من ذلك وهو مذهب الأشاعرة والماتريدية. وهؤلاء يجعلون الإيمان شيئا واحدا لا يتجزأ وبالتالي لا يزيد ولا ينقص كما المرجئة الخُلَّص([3])
القسم الثالث: الذين يقولون: إن الإيمان هو النطق باللسان ولو لم يعتقد بقلبه, وهو مذهب الكرامية, ورؤوسهم ستة: الزرينية والعابدية والإسحاقية والتونية والواحدية والهيصمية وهي أقلهم ضلالة.([4])
القسم الرابع: وهم القائلون إن الإيمان: هو النطق باللسان والاعتقاد بالقلب, وهؤلاء هم أخف أقسام المرجئة وهم مرجئة الفقهاء, وهؤلاء يقولون: إن العمل لازم القول والاعتقاد إلا أنه خارج عن مسمى الإيمان وهو شيء واحد لا يتجزأ, وأصل هذا القول وبعده عن لفظ أهل السنة أنهم كانوا في موضع الرد على المعتزلة. ولذلك يقال: إنهم أصابوا الحق في وجه وخالفوه في وجه آخر.
- فمن حيث التلازم بين عمل القلب وعمل الجوارح أصابوا الحق.
- ومن حيث: إخراجهم العمل عن مسمى الإيمان وقولهم إن الإيمان جزء واحد لا يتجزأ فهو بدعي وافقوا فيه أهل الإرجاء ولذلك دخلوا ضمن المرجئة.
((ألا إنَّمَا المُرْجيُّ بالدِّينِ يَمْـزَحُ))
((ألا)): هي الاستفتاحية لتنبيه المخاطب.
((إنما المرجيُّ)) إن للتوكيد وما كفتها عن العمل, والمرجي: أصلها المرجئُ أي من أرجأ العمل عن مسمى الإيمان على ما تقدم بيانه.
((بالدين)) الباء هنا هي باء التعدية القائمة لإيصال المعنى إلى المفعول به. والدين ما يدان به, واللام هنا هي العهدية وهو دين الإسلام الذي لا يقبل الله سواه.
((يمزح)): وفي نسخة: ((يمرح)) بالراء المفتوحة, وأصل ((يمزح)) من الممازحة, و((يمرح)) من المرح وهو شدة الفرح حتى يتجاوز المرء قدره, وكلاهما بمعنى الهزل واللعب أو بمعنى التجاوز أو التهاون في أمور الدين وحرماتها, فهؤلاء تلاعبوا بالدين وتهاونوا في أوامره ونواهيه ونزعوا الخوف من الله من قلوب الناس, ولذلك قال إبراهيم النخعي: [لأنا لفتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الازارقة ] ويقول قال إبراهيم تركت المرجئة الدين ارق من ثوب سابري ] وقال شريك: هم اخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى ([5]).
((وقُــلْ إنَّما الإيمانُ قـَوْلٌ ونيَّـةٌ)):
((وقل)) بلسانك واعتقد بقلبك وجنانك.
((إنما)) مستدركا على المخالفين, و(إن) للتوكيد, و(ما) كفتها عن العمل, وهي للحصر, على الصحيح, ورجحه شيخ الإسلام.
((الإيمان)): عند أهل السنة ومراده اصطلاحا. والإيمان لغة على قولين:
فقالت طائفة من أهل العلم هو التصديق, يقول الجوهري:
وأما " الإيمان " فهو مصدر: آمن يؤمن إيمانا؛ فهو مؤمن. واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن " الإيمان " معناه: التصديق؛ وقال الله تعالى:) قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا))([6]).
o وذهب شيخ الإسلام إلى أن الإيمان لغة هو الإقرار, قال - رحمه الله -: ((فأصل الإيمان الإقرار والتصديق وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن))([7]), ويقول: ((يقال أقررت له فكان تفسيره بلفظ الإقرار أقرب من تفسيره بلفظ التصديق مع أن بينهما فرقا))([8])
* قلت: كثير من المنتسبين للسنة ممن يقول الإيمان هو التصديق لغة, يقولون إن تعريف الإيمان الاصطلاحي الشرعي أعم من اللغوي ولا يلتزمون قول المرجئة, فمثلا يقول ابن كثير: ((قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك - ثم يقول - فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا.))([9]) , بخلاف من لم يفرق بين المعنى اللغوي والاصطلاحي من المرجئة, قال النيسابوري وقال الأستاذ أبو إسحاق في المختصر الإيمان في اللغة والشريعة التصديق ولا يتحقق ذلك إلا بالمعرفة والإقرار))([10]).
((قول)): وهو قول اللسان, وهو النطق بالشهادتين. فمن لم ينطق بلسانه فليس بمسلم لا في الدنيا ولا في الآخرة بإجماع السلف, وقد قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}([11]), قال البغوي: [{ وجحدوا بها } أي: أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله، { واستيقنتها أنفسهم } أي: علموا أنها من عند الله، قوله: { ظلما وعلوا } أي: شركا وتكبرا ]([12])
مسألة: هل يكتفى في قبول الإسلام بشهادة (لا إله إلا الله)؟
* لا يكتفى بها وإنما يكف عنه بها القتال كما ثبت في حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - ثم يطلب منه الإقرار بالرسالة والعمل بمقتضاها وهذا في حق الكافر الأصلي, أما المرتد فإنما يدخل من الباب الذي خرج منه فإن خرج بجحوده شيئا فإنما عليه الإقرار بما جحد وإن كان لترك الصلاة مثلا فعليه إتيانها, وهكذا قال الحافظ ابن حجر عقب حديث ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)): [وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فان شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله إلا بحق الإسلام قال البغوي: الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقر بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله فان كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق فان كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد وبه صرح القفال]([13]), ولم يشترطه الأشاعرة والماتريدية وإنما قالوا هو فرع واجب على تصديق القلب ويلزم لإجراء أحكام الدنيا, وإلا فقد يكون مسلما في الحقيقة كافر عندنا.
((ونية)): وهذا ما يعبر عنه بقول القلب وهو التصديق المنافي للشك, بل بكل ما صح عن الله ورسوله والتسليم والاستسلام والانقياد القلبي لهما, وهذا لم يشترطه الجهمية إنما اشترطوا فقط مجرد المعرفة بوجود الصانع, وكذا الكرامية قالوا النطق فقط, كما تقدم, وهؤلاء صححوا إيمان المنافق كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }([14])
((وفعل)) ويعبر عنه بالعمل, وهو نوعان: عمل القلب, كالخوف والرجاء والمحبة وهذا ما لم تشترطه غلاة الجهمية والكرامية, وعمل الجوارح, وهذا ما لم يشترطه مرجئة الجهمية والأشاعرة والماتريدية والكرامية ومن حذا حذوهم من مرجئة الحكام من مداخلة العصر.
وقد قال شيخ الإسلام: ((وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات لا لأجل ان الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه وحكمه من غير إيمان بالله ورسوله لم يخرج بذلك من الكفر فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد, ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه فهذا نزاع لفظي كان مخطئا خطئا بينا وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها))([15])
((على قول النبي مصرح)): ولهذا معنيان: إما أن يريد أن الفعل على السنة فهو شرط كما في الحديث: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )), ولهذا كان يقول السلف: الإيمان قول وعمل ونية واتباع سنة, وإما أن يكون مراد المصنف أن هذا منصوص عليه في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وربما يريد معناه منصوص عليه وهذا المعنى متواتر, وإن أراد ما جاء بلفظه: ((الإيمان قول وعمل يزيد وينقص )) فقد روي مرفوعا بسند ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر([16])
قال البخاري: [ بَاب اْلايمَان وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}وَقَوْلُهُ{أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ{فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}وَقَوْلُهُ تَعَالَى{وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}وَقَالَ مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ{شَرَعَ لَكُمْ}أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}سَبِيلًا وَسُنَّةً ]([17]), وقال الحافظ: [ وفي رواية الكشميهني قول وعمل وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين اطلقوا ذلك ]([18]), بل الإجماع منعقد على هذا المعنى:
فنقول:
أجمع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ونية, قال ابن كثير: (( فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا, هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثار))([19]).قلت: ومن الإجماع على ذلك ما رواه اللالكائي وذكره شيخ الإسلام عن الشافعي فقال: ((وقال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم فى باب النية فى الصلاة يحتج بأن لا تجزئ صلاة إلا بنية بحديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبى إنما الأعمال بالنيات ثم قال وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر))([20]).
وقد عرف المصنف الإيمان بـ (قول وفعل ونية) ويذهب غيره إلى أنه (قول وعمل) , أو قول وعمل ونية واتباع سنة, وكلها بمعنى صحيح قال شيخ الإسلام: ((ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الايمان فتارة يقولون هو قول وعمل وتارة يقولون هو قول وعمل ونية وتارة يقولون قول وعمل ونية واتباع السنة وتارة يقولون قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وكل هذا صحيح))([21]).
والمقصود هنا أن من قال من السلف الايمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح, ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب, ومن قال قول وعمل ونية قال القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك, ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة, وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط فقالوا بل هو قول وعمل والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الايمان ما هو فقال قول وعمل ونية وسنة لأن الايمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة))([22]).
((ويَنْقُصُ طَـوْرًا بالمعَاصِي وَتَـارةً))
((وينقص)) أي الإيمان, والنقص ضد الزيادة, وما يزيد لابد أنه ينقص وما ينقص لابد أنه يزيد.
((طورا)) مفرد أطوارا كما في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا }([23]), والمعنى: أي تارة.
((بالمعاصي)) جمع معصية ويدخل فيها الكبائر والصغائر وهو اسم جامع لكل ما حرمه الله سواء من ترك الواجبات أو فعل المنهيات وقد مر بنا قريبا, وينقص أيضا بالمكروهات كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
((وتارة)) أخرى, هي هنا جملة استئنافية.
((بطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزنِ يَرْجَحُ))
((بطاعته)) الباء سببية, والطاعة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة وهو أحد معاني العبادة, إذ تلق العبادة ويراد بها الفعل نفسه, وتطلق ويراد بها المتعبد به وهو المفعول به كالصلاة والزكاة من أفعال الجوارح, والمحبة والخوف والرجاء والتوكل من الأفعال القلبية.
((ينمي)): أي الإيمان, من نمى ينمي نماءً, وهو الزيادة.
((وفي الوزن)) قد يراد به الميزان, وقد يراد به الموزون, وفيه أن الأعمال توزن أيضا.
((يرجح)) من الرجحان, ويستعمل للشيء إذا زاد وزنه, وقد تقدم قريبا, وفيه أن الطاعات تكون حقيقية توزن وترجح, على ما ذكرنا في بابه.
وعلى ذلك نقول:
فالإيمان: يزيد بالطاعة من الواجبات والمستحبات, كما ينقص الإيمان بالمحرمات والمكروهات, قال شيخ الإسلام في رسالة في مقام الإيمان له: ((اسم الإيمان يستعمل مطلقا ويستعمل مقيدا وإذا استعمل مطلقا فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين يجعلون الإيمان قولا وعملا يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويدخلون جميع الطاعات فرضها ونفلها في مسماه وهذا مذهب الجماهير من أهل الحديث والتصوف والكلام والفقه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم, ويدخل في ذلك ما قد يسمى مقاما وحالا مثل الصبر والشكر والخوف والرجاء والتوكل والرضا والخشية والإنابة والإخلاص والتوحيد وغير ذلك ومن هذا ما خرج في الصحيحين عن النبي أنه قال الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان فذكر أعلا شعب الإيمان وهو قول لا إله إلا الله فإنه لا شيء أفضل منها))([24])
لكن لا يزول الإيمان لمجرد إتيان المكروهات أو ترك المستحبات, قال شيخ الإسلام: ثم أن نفى الايمان عند عدمها دل على أنها واجبة وان ذكر فضل إيمان صاحبها ولم ينف إيمانه دل على أنها مستحبة فان الله ورسوله لا ينفى اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله لا صلاة إلا بأم القرآن وقوله لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ونحو ذلك, فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب فان هذا لو جاز لجاز أن ينفى عن جمهور المؤمنين اسم الايمان))([25])
والإجماع منعقد على أن الإيمان يزيد وينقص:
قال الإسماعيلي في بيانه لعقيدة أهل الحديث: ((ويقولون إن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، من كثرت طاعته أزيد إيمانا ممن هو دونه في الطاعة))([26]), وقال الآجري: ((ما أحسن ما قال محمد بن علي رضي الله عنهما، وذلك: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية))([27]).
وقال ابن عبد البر: وعلى أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية جماعة أهل الآثار والفقهاء أهل الفتوى بالأمصار))([28])
قلت: ومن الأدلة على أن الإيمان يزيد وينقص:
قوله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} - {وزدناهم هدى} - {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} - {والذين اهتدوا زادهم هدى} - {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} - {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} - {فاخشوهم فزادهم إيمانا} - {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما}، وغير ذلك من الآيات، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تكونون في كل حالة كحالتكم عندي لصافحتكم الملائكة»([29])
والقول بعدم زيادة الإيمان ونقصانه وأنه لا يذهب بعضه ويبقى بعضه, فهو شيء واحد هو أصل قول المرجئة وهو الذي جعلهم يخرجون العمل عن مسمى الإيمان, على نحو ما ذكرنا تفصيلا عند ذكر أقسام المرجئة, والله تعالى أعلم.
([1]) قال صاحب الشهرستاني: وقيل الإرجاء : تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان))(1\138), وهذا غريب إذ لو صح هذا لدخل أهل السنة ضمن المرجئة فإنهم يغالون في علي فأدناهم يقول: إنه أحق من أبي بكر في الأولوية بينما يرى أهل السنة أنه رابع الخلفاء في الفضل والخلافة على ما استقر عليه أهل السنة بعد خلاف في التفاضل بينه وبين عثمان – رضي الله عنهما -.
([2]) الملل والنحل: (1\138).
([3]) المصدر السابق (1\93). ومجموع الفتاوى (7\510).
([4]) الملل والنحل ((1\107)).
([5])السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 312 وما بعدها)
([6])تهذيب اللغة للجوهري باب آمن.
([7])الإيمان الكبير ضمن مجموع الفتاوى (7/ 324)
([8])مجموع الفتاوى (7/ 291)
([9])تفسير ابن كثير (1/ 165)
([10])الفتاوى الكبرى (6/ 508)
([11])[النمل: 14]
([12])تفسير البغوي (6/ 147)
([13])فتح الباري (12/ 279)
([14])[البقرة: 8]
([15]) مجموع الفتاوى (7\621).
([16]) فتح الباري (1\46).
([17])صحيح البخاري ت (1/ 11)
([18])فتح الباري (1/ 46)
([19])تفسير ابن كثير (1/ 165)
([20])مجموع الفتاوى (7/ 171)
([21])مجموع الفتاوى (7/ 170)
([22])مجموع الفتاوى (7/ 209)
([23])[نوح: 14]
([24])مجموع الفتاوى (7/ 642)
([25])مجموع الفتاوى (7/ 14)
([26])اعتقاد أئمة الحديث (ص: 15)
([27])الشريعة (ص: 110)
([28])التمهيد (9/ 252)
([29])من أعلام السنة للحكمي(صــ40ـــ)
0 التعليقات:
إرسال تعليق