تعديل

الثلاثاء، 24 مارس 2015

معنى الطاغوت في القرآن: كمثال توضيحي لتفسير القرآن بالقرآن.

تبيين وتوضيح لمعنى الطاغوت مع تحرير الشاهد له: ( تحرير مختصر )
الأصل في هذا الباب أربع آيات:
قوله تعالى: ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )
قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}
قوله تعالى: ( لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ))
قوله تعالى: ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) الآيات.

وهناك آيات كثر في هذا الباب لكن هذه الأربع هي العمدة والأكثر استعمالات للتدليل على ماهية الطاغوت وسنأخذ مثالا واحدا يفهم منه بقية الآيات وهو قوله تعالى: (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) الآيات.
بعض الإخوة يظن أن الشاهد في هذه الآية أنها نزلت في رجل يزعم الإسلام, ولذلك يتحرج إذا قيل له إنه منافق فيبطل استدلاله حينها فيذهب إلى القول بأنها نزلت في رجل من أهل بدر.
فجماهير المفاسرين وعلى رأسهم شيخ المفسرين الطبري: أن الذي نزلت فيه الآية هو أحد المنافقين وهو قول مجاهد والشعبي وسليمان ( أبي المعتمر ) وقتادة والسدي, وذكرها البغوي عن ابن عباس), وقيل إنه من أصل يهودي, فأراد أن يتحاكم إلى كعب بن الأشرف وبعضهم لم يبين.
ـــــــــــــــ
فالشاهد : ليس في من نزلت فيه لعدة أمور:
أن الآية لم تنزل لكونه منافقا أو مسلما بل لكونه تحاكم إلى الطاغوت, فقد كان حكمه عند الله النفاق ولا يزال الوحي ينزل, ولم ينزل فيه شيء لمجرد نفاقه إلا شيئا عاما في سائر المنافقين, لكن لما أظهر الكفر وهو التحاكم إلى غير الله تعالى, أنزل فيه ذلك.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وفيه أربع شواهد:

فالشاهد ( وهو الأول ) هو التحاكم ذاته.
ويدل على ذلك قوله تعالى في اليهود: ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت )) فهنا أهل الكتاب كفار أصليون لكنه أنكر عليهم هنا تحاكمهم إلى كعب بن الأشرف وتركهم حكم الله في كتابهم – على تحريفه – ( وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك ) وهو من باب التقريع لليهود, وقد نزلت في الرجم - فكان موجودا حينها -.( على أحد القولين زاد المسير لابن الجوزي )
وأدل شيء على ذلك قوله تعالى: ( وقد أمروا أن يكفروا به ) فصح أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به حتى لو لم يسجد له.
بل في رواية أنه أراد التحاكم إلى عمر بعد أن تحاكم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتله وقال هذا حكم الله فيمن لم يرض بقضاء الله. ( ذكرها البغوي في معالم التنزيل ) ( أشك في صحتها ) لأن الطاغوت لا تطلق إلا على من رضي أن يتحاكم الناس إليه.
وقد يقال: إن التحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الأمر تحاكم إلى طاغوت ( وهو الشيطان ) بغض النظر عن رضى المتحاكم إليه فصار الحكم مستقل عن المتحاكم فصح الحكم على المحكوم ونجا منه المحكوم إليه, وقد تكون حادثة عمر حادثة أخرى وهو أولى خاصة مع قول الجماهير في كون المتحاكم إليه هو كعب ابن الأشرف أو رجل من اليهود غير مسمى, أو هو أبو برزة الأسلمي – رواية عن ابن عباس- ).

والشاهد الثاني: قوله تعالى بعد الآية: (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ))
فالمنافقون هنا: هم أصحاب النفاق الأكبر فأصبح من النفاق الأكبر الإعراض عن حكم الله تعالى وليس محاربته بل هذا فقط لا يريد التحاكم وهناك فرق عظيم بين محاربة الشرع وبين عدم التحاكم إليه.

والشاهد الثالث: في معنى الطاغوت:
فالطاغوت: هو بمعنى واحد وإن تعددت التعاريف فيه فبعض الإخوة يظنون أن المسألة خلافية خلاف تضاد - أعني تعاريفه -: بل هذا خلاف تنوع وقد بينه شيخ الإسلام ( أظن في مقدمة في أصول التفسير ) وهو أن تفسر الآية إما أن يتناول المفسر وجها من وجوه تفسيرها, ومنهم من يفسرها بما نزلت فيه ومنهم من يفسرها على سبيل العموم, ومن أمثلته ما وقع في قوله تعالى ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) فقد فسرها بعضهم بالأمر بالمعروف وبعضهم بـ ( لا إله إلا الله ) وبعضهم بــ ( الإسلام ) وكل هذا بمعنى واحد, ومن أمثلته قوله - صلى الله عليه وسلم - ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة ), فيقال: الصلاة عماد الدين ولا يقيمها بحيث يعاقب عليها إلا من أقام الشريعة ( في الجملة ) وبعضهم قال: بل هذا من باب وصف الشيء بأخص خصائصه والمقصود هو إقام الشريعة – في الجملة - وإن ظلموا.
فالمعنى العام للطاغوت: هو كل ما يعبد من دون الله وهذا قول مالك واختاره الطبري وقال به من المتأخرين ابن القيم وأوضحه سواء كان جنا أو إنسا أو صنما. وهذا المعنى العام يؤيده قوله تعالى: ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )
وهناك في البخاري: قول عمر: إنه الشيطان, وقال عكرمة: هو الكاهن.
لكن لما جاء التفسير مخصوصا بالآية هنا:
قال مجاهد: هو شيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو يتولى أمرهم.
وقال: ابن عباس ومجاهد في رواية أخرى وسعيد بن جبير: هو كعب بن الأشرف.
فهنا ليس خلافا بل لما كان الانفراد بالحكم من أخص خصائص الألوهية _ بل لا يعبد إلا بالتحاكم إليه _ قال مجاهد هو من يتحاكم إليه الناس وهو يتولى أمرهم, فمن تحاكم فقد عَبَد ومن يُعبد فهو طاغوت.
وابن عباس ومجاهد وسعيد فسروها بالحادثة فقال الطاغوت هنا أي على المعنى المعروف عندكم هو كعب بن الأشرف, .وفي رواية أخرى لابن عباس: إنه أبو برزة الأسلمي ( رواها الطبراني في معجمه الكبير )
ويستفاد من ذلك: أنه ليس كل كافر طاغوت بل قد يكون كافرا بل كل طاغوت كافر بالله وهو أشد كفرا من غيره, كفرعون, والنمروذ, وكعب بن الأشرف, وأمثالهما.
وقول: عمر إنه الشيطان وقول عكرمة: فله سابقة يوضحه قول جابر إن الشياطين كانت تنزل على الكهان في كل حي وكان الناس يتحاكمون إلى الكهان. ( البخاري معلقا ),
ففسرها عمر بأصل من يتحاكم إليه الناس في الحقيقة وهم الشياطين, وفسرها عكرمة بمن يظهر للناس أنه الحاكم وهو حاكم مطبق مغير وفي هذا دليل على عدم التفرق بين من يكتب قانونا بيده ( مغايرا لشريعة الرحمن ) أو من يطبقه فقط فهما في الحكم سواء.

الشاهد الرابع: في قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}, فبعد الآية ذكر الله تعالى هذا الأصل أو هذه القاعدة التي هي أصل الإيمان وهو التحاكم لله تعالى وحده بتوحيد الاتباع بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) في حياته أو إلى سنته بعد مماته.
ـــــــــــــــ
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More