تعديل

الثلاثاء، 24 مارس 2015

يوتوبيا العالم الجديد


(قصة قصيرة)
بعدما اجتاحت الحروب العالم، ولم يبق منها سوى بلدة واحدة تسمى (العالم)، وفي كل بلدة مدينة واحدة وعدة قرى صغيرة، وهذه المدينة تحكم القرى الصغيرة، وفق نظام محكم يسمى (العسس) ، مخالفته تساوي الموت الشنيع للفرد وإذا أخفت القرية سره أو ارتضت فعله كان مصيرها الدمار والفناء، أو الطرد خارج البلدة (بلدة العالم) وخارج النظام ثلة غريبة الأطوار تعادي كل شيء للنظام، ولأجل هذا سموا [الخارجون (على) النظام]، ولايزالون مطرودين بالعراء فلم ينفع معهم محاولات ضمهم للنظام والتمتع بصلاحياته من مأوى وغطاء وكساء وأمن، فهاهم يلتحفون العراء ويتناوبون على مياه الأشجار وبقايا خشاش الأرض بعد الحرب،يتوارثون العداوة والبغضاء للنظام.
نعود إلى بلدتنا الجميلة. (العالم)
كانت ضمن هذه قرى بلدتنا قرية تسمى (الأزرق) كانت هي الأكثر شهرة وتأثيرا في بلدة (العالم) [ لم تكن كلمة الشهرة والتأثير ذات معنى حسن البتة بل تعني أنها الأكثر تعرضا للخطر واحتمالية الإبادة] وكانت أعين (العسس) لا تَطرُف عن هذه القرية، خصوصا بعد أن قامت بمناوشات تشبه تلك التي كانت تسمى الثورات قبل عهد الحروب.
فقد جاء في آخر تقرير أن شابا يسمى (١٣) [هكذا كانت أسمائهم إلا أن هذا الرقم يطلق على من يوضع تحت الأنظار] قام بزيارة بناء كان يستعمل فترة ما قبل الحروب مصلى لطائفة تسمى (المسلمين) وهذه الأماكن محظورة، ولم تقتصر مخالفته على ذلك بل خرج عن العدد المحدد له من البقاء خارج المنزل وخط سيره اليومي. (في غير وقت العمل)
لم يكن (١٣) الوحيد الذي ارتكب جريمة شنعاء كهذه، بل كانت فيهم فتاة وتدعى (-١٣) خائنة حقود ضربت أخاها الصغير كيلا يلتحق بمدرسة (الجاسوس الصغير) التي أقامتها الهيئة العليا ل(العسس).
فلما وصل التقرير للعسس من قبل خالها (١٠)، [هذا الاسم لا يعطى لمجرد حسن السير والسلوك بل تقديرا للخدمات التي قدمها للنظام ويحق له بموجبه اقتراف كثير مما يعد ممنوعا على العامة كخمر نفيس وتنقلات أكثر حرية وركوب سيارة وزيارة سجين غير سياسي والسير في غير وقت العمل واجتماع بأهله أكثر من نصف الساعة وغير ذلك] قام العسس بتطبيق العقوبة المستحقة. 
والحقيقة أنهم كانوا أكثر رحمة إذ اكتفوا بحرقهم أحياء ولم يحرقوا بقية القرية، رغم أن خالها هو المخلص الوحيد بالقرية، وهذه الرحمة أكسبت (العسس) تعاطفا كبيرا من قبل القرى المجاورة، وأكسبهم أملا في حياة أطول.
وساعد القرى على اكتساب هذا الشعور بالرضا وزارة (الفهم) تلك الوزارة التي جل عملها هو إعانة الجهلاء على اكتساب المعارف والشعور الحقيقي للانتماء الممثل في القيادة (العسس) وإعلام القرى بمدى الجهد المبذول لأجل حريتهم وأرزاقهم ومدى تعسف المناوئين للوطن والقيادة.
ولم ننس البتة فضل السِّيوخ (١٢) وسِيخ ( هي رتبة لطائفة من العاملين بالنظام العسسي تحاكي درجة رجال الدين في عصر ما قبل الحروب وهم الآن يشغلون منصبا أشبه بعمل الأطباء النفسيين وإن كان بعض المناوئين للقيادة من الخونة القدامى من حاملي اسم ' ١٣' يسمونهم بالسحرة وهو لقب قديم مذموم) فقد كان لهم فضل في تفريغ طاقات الفساد الثوري وبقايا آثار الهوية الدينية داخل سكان القرى، وإقناعهم بالطباع الإنسانية الحديثة ومعنى الانتماء الحقيقي للإنسانية.
وسار الناس وقد غمرتهم السعادة والشعور بأمل لحياة مديدة، إلى أن عكر صفو هذه السعادة بزوغ شمس الخيانة من جديد وفق آخر تقرير مفاده: " وجود مادة كثيفة يعتقد أنها حبر بقرية (الأزرق) وهذا يدل على وجود ورق، وربما يوجد كتب، بل وجوا بقايا قطع من صحائف يعتقد أنها رسائل مكتوب بها أرقام ورموز غير مفهومة " 
وأشنع من هذا أن رجالنا المخلصين اكتشفوا أن هؤلاء الخونة يتعمدون التشويش على أجهزة التصنت بذبذبات جهاز راديو صغير، ( لا تتساءلوا كيف حصل الخونة على الراديو فالواقع أن الراديو شراءه إجباري ليتثقف الناس بما تبثه وزارة الفهم المسموعة من أخبار ولقاءات وأناشيد تعزز الإيمان بقضية الطاعة). وقاموا بالتشويش على كاميرات المراقبة الداخلية بتوجيه أصابع الليزر التي يلعب بها الأطفال (مرة كل عام ضمن احتفال سنوي يمن به العسس على القرى المجاورة). ثم يقومون بالتراسل بينهم، ويستخدمون رموزا يتعارفون عليها، فما كان من النظام إلا صب غضبه على هؤلا العابثين، فهي قرية خائنة لم يكن للنظام إدخالها ضمن قرى النظام، ليته تركهم جوعى مشردين خارج الجدار العازل.
بل ستباد القرى المجاورة لهذه القرية المشؤمة، لولا السيخ العبقري (+١٢) وهو الذي اقترح على القرى المجاورة أن تقيم محرقة في محيط القرية (الأزرق) لتبتلع النار أهل القرية قربانا للنظام (العسس) وإمعانا في الإخلاص وقد كان لهذا السيخ مقصدا نبيلا حيث قصد بهذا إهلاك بضعة آلاف في مقابل إحياء ملايين وهم مجموع ساكني القرى المجاورة، وقد تلقى النظام هذا الاقتراح بحفاوة وإن اصطنعوا غير ذلك بعد أن كان قرارهم إهلاك بعض الملايين ليعيش بقيتهم في أمان في ظل زعامة النظام، إلا أن الخونة من حاملي اسم (١٣) قالوا إنه اقتراح العسس وما السيخ إلا بوقا لهم، دعك منهم فقد كانت تلك آخر كلماتهم خصوصا بعد ترحيب القرى المجاورة بهذا الاقتراح، بل عرفت فيما بعد أن هذه القرية كانت من ثلالة طائفة كانت تناوئ الأنظمة في فترة ما قبل الحروب وقد عرف هذا بعد أن قامت لجنة من المحققين بالتفتيش والتنقيب لكشف السر الذي دفع هؤلاء المناوئين الخونة لزيارة البناء (الذي كان مصلى وبسببه أعدم بعضهم) فاكتشفوا دليلا على نيتهم الإجرامية في الانقلاب على النظام فقد وجدوا كتابا يسمى "حرب اللاعنف وفوائد السلمية." ممن كان يستخدمه أسلافهم ضد النظام.
لقد استراح الناس منهم.،،،
وهذا يابني آخر ما أقصه عليك اليوم ،،، وغدا نبدأ كتابا جديدا إن شاء الله.
الحفيد: لا يا جدي لا تفعل بي هذا، ثم إنك لم تخبرني، من إذن الذي حارب هؤلاء العسس المجرمين؟
الجد: يا بني لقد قرأت لك الكتاب كله، وعيناي تدمعان جراء طول القراءة على مدار ثلاث ليال لم يفصلهم إلا سويعات النوم، والتدريب اليومي للجنود الجدد.
الحفيد: أعرف يا جدي، فقد نظرت في صفحات كتاب (العالم الوحيد) فوجدته خمسمائة صفحة، لكن لم تجبني من الذي جاهدهم؟
الجد: يا بني هم طائفة من أجدادك المسلمين ممن أبوا أن يدخلوا ضمن النظام المذكور فاختاروا الغربة والفقر في سبيل تحقيق بغيتهم، وأبوا أن يبقوا في (العالم/الأزرق)، وكانوا خارج سورهم المنيع يعدون ويوفرون من قوتهم لهذا اليوم إنهم الخارجون على النظام يا ولدي، هلم يا بني إلى تدريبك.
الحفيد: أفهل يا جدي، لكن يا تُرى ما اسم الكتاب الجديد؟
الجد: الحكومة الخفية في مائة عام.
الحفيد مبتهجا: جيد يا جدي، يبدوا كتابا مشوقا، سأنتظر الغد.
قاطعه الجد: هذا إن أتممت واجباتك العسكرية يا بني.
الولد بحماسة مصطنعة: سوف ترى يا جدي.
الجد: إن شاء الله.
الحفيد على استحياء: إن شاء الله.،،، ثم انتفض قائلا: يا جدي هل أنا مؤاخذ بالخطأ يا جدي وأنا لم أبلغ الحلم ؟
الجد مبتسما: لن أضربك على نسيانك تقديم المشيئة، لكن ربما على جهلك بمسألة مقررة على أرباب الصف الأول !
الحفيد: أخ، تلك ورطة أخرى ،،،
انتهى.
//////////@/////////
ال دستوبيا طريقة أدبية تعني المدينة الفاسدة في مقابلة ال يوتوبيا أي المدينة الفاضلة، فصورة النظام الفاسد صورة نمطية مركبة في الروايات وإن اختلفت أحداثها، ولأجل هذا تأثرت في بيان الصورة الفاسدة ببعض الروايات ك ١٩٨٤ لجورج أوريل ومباريات الجوع لسوزان كولنز ورواية يوتوبيا ل توماس مور وهو أول من أستعمل هذا المصطلح يويوبيا في القرن الخامس عشر، وتأثر به من سبق وكذا ألدوس هكسلي في روايته العالم الطريف وجورج ه. ويلز، وأليكس هسلي في روايته الجذور، وبهذا النمط جاءت يوتوبيا لأحمد خالد توفيق.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More