مفاهيم عامة لفهم آثار السلف في الحاكمية [جواب لسؤال عبر الآسك]
1- وفقك الله, لا أرى بل هو قول أهل السنة بلا نكير وإنما لم يفهم المعاصرون عن السلف فلم يفرقوا بين الجور والتشريع والترك.
2- الآسك ليس محل مباحثة فإن لدينا ما يشغلنا عن هذه المرتبة الدنيا التي يخشى على صاحبها, ثم إن هذه المسألة خصوصا لا يمكن تباحثها إلا مع تصور المتناقشين لحقيقة الألوهية والربوبية وعلاقتهما بالحاكمية, بل نقاش المخالفين فيها ضرب من الخبل والجهل بحقيقة المجيزين, وإنما أفسح لي مجالا في قلبك كي أعينك على تصورها.
3- تصور المخالف لقضية الحاكمية أنها ثبتت بإجماع ابن كثير هذا خطأ آخر في التصور ناتج عن التصور القاصر الأول في معنى الحاكمية.
4- الحاكم الجائر ليس كافرا بإجماع قبل أن يولد مولانا ابن عبد البر وغاية ما فعل إنما حكايته, ومحل الإجماع الذي لدى أهل السنة إنما إجماع الأمة على ما يلي:
1- أن طاعة غير الله فيما يختص الله به شرك أكبر [والحكم منهم وقوله تعالى: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} ] وإنما الحاكم منفذ مجتهد, وفهم الخوارج أن الحاكم متى ظلم أو جار كفر ظنا منهم أن كل مخالفة للحكم تخرجه وهذا مبعثه التكفير بالكبيرة.
2- أن من صفات الله الحكم {إن الحكم إلا لله} فمن حكَّم غير الله [أي شريعته] فقد عبد غيره لأن التحاكم عبودية والحكم بغيره مشابهة الله في صفة من صفاته.
* فإن قيل: المراد بالحكم أي الأمر الشرعي, قلنا إن كان الحكم صفة لله فمن تشبه بها فقد اتخذ نفسه إلها, وإن قيل المراد التشريع قلنا الأمر والنهي على سبيل الجزم وعقوبة تاركه هو التشريع بعينه.
* ما الفرق بين الحكم [تولي الحكم] والحكم الذي هو صفة الله؟
الجواب: تولي الحكم أي أن أمره نافذ [بمقتضى طاعة الله] فإن شرع [ما لم يأذن به الله] من قوانين ملزمة لم يأذن الله بها فقد اتخذ من نفسه إلها يعبد.
* إنما وقع الخلل في معنى التشريع فإن الناس يظنونه هو أن تقول إن الله قال كذا ولم يفعل أو أن يقول هذا حلال عند الله وليس كذلك, والحق أن هذا جزء من معنى التشريع فكل حاكم ألزم محكومه على شيء يناهض فيه حكم الله فقد شرع, وكذلك التحليل والتحريم فالناس يظنون أن الحلال أن تقول هذا أحله الله وهذا حرام أي حرمه الله والحق أن هذا نقوله على سبيل الطاعة لله وإلا فمن أحل الخمر ولم يقل إن الله أحلها فهو كافر لأنه نقض بهذا أصل الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى, وسواء كان ينقاد بهذا لله تعالى أو لإلهين أو لأكثر كحال المشركين.
* اختل فهم كثير من الناظرين في مظان المسألة فظنوا أن المسألة خلافية والحق خلاف ذلك إذ محل الخلاف كان بين السنة والخوارج وكان الأولون يقولون: إن الكبيرة لا تخرج من الإسلام ما لم يستحلها, فابتدع الخوارج شيئا ألا وهو أن الكبيرة تخرج من الإسلام ولا يجتمع معها إيمان وكفروا بذلك من حكم بغير ما أنزل الله ولو في أمر من الأمور المفسقة, وقد كفروا عليا وهنا وقع فيهم الخلل من جهتين:
الأولى: تصوروا أن الذي فعله علي رضي الله عنه مخالفة للقرآن.
الثانية: أن كل مخالفة للقرآن كفر لا تجتمع والإيمان البتة.
فذهب كثير من السلف إلى تبيان أن ترك الحكم بغير ما أنزل الله [أي في مسالة من المسائل غير المكفرة بذاتها] كفر دون كفر ردا على قول الخوارج.
ومن هنا جرت التفاسير على الحط على من قال إنه إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله كفر بالله كفرا أكبر.
الحق أنا ما من خلاف البتة في هذا, بين من تنبه لهذا عند الخوارج فتكلم على إثره ومن تكلم على مطلق الحكم فترى حذيفة – رضي الله عنه – ينكر على من عنده حينما قال عند قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال هي في بني إسرائيل, قائلا: نعم بنو إسرائيل إخوة لكم لهم المر ولكم الحلو تتبعونهم حذو القذة بالقذة.
وقول ابن عباس [إن ثبت] كفر دون كفر لتصوره أن المسلم يعصي وهو الذي ناظر الخوارج كما اشتهر عنه.
قول غيرهما: الكفر في بني إسرائيل وفسق في المسلمين.
فهذا كله في مطلق الحكم, إذ كيف يطلق الرجل إن الحكم بغير ما أنزل الله كله كفر؟ أليس الحكم منه ما هو كفر ومنه ما هو غير ذلك ؟ فأراد السلف أن يبينوا هذا كيلا يختلط على الناس كما اختلط على الخوارج.
ولما سئل ابن عباس في رواية عن الآية قال [من جحد حدا من حدود الله كفر] وهو دليل على أن مراده الحد والحدين لا الحكم المطلق تركا أو تشريعا.
لم يفهم أحد من السلف أنه يصلح حاكما على النص أو أن قوله يقيد أو يخصص النص فالآية عامة [ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون]
لم يأت حاكم مسلم في خلافة أو إمارة ثم ألزم الناس بأحكام غير حكم الله ولا عقد له بيعة على غير كتاب الله وسنته.
غاية ما يحدث إنما أمور تجري مجرى المصلحة وللعلماء فيها نظر كما فعل بعض الأمراء في أخذ الضرائب [المكوث] وقد رخص بعض الفقهاء فيها من باب الضرورة [والضرورة من دروب المصلحة الرخص الشرعية وإنما الغلط في تفاصيلها ].
0 التعليقات:
إرسال تعليق