تعديل

الأحد، 5 أبريل 2015

تعليقا على بعض شبهات مرجئة العصر.

دار نقاش بين بعض الإخوة الموحدين وآخر من المنتسبين لسلفية اسكندرية وكان قد بدا لي - والله أعلم - أنه ينقل من كتاب وقد استوعبت هذا من خلال قفزاته وتركه للرد على ما يكتب الآخ إلا قليلا فتدخلتورددت عليه من دون أن أذكر اسمي, [لأنه يعرفني فقد ناقشت شيخه] وفي هذا التعليق ذكر عدة شبهات مشهورة على ألسنتهم, والرد عليها. 

الحمد لله على عظيم منه وكرمه:

حصول التصور للمسألة يدفع كل ذلك الوهم المتكرر في الحقيقة. وعلى كل حال لن نعدم الخير وهداية القلوب بيدي الله تعالى:
فنقول - مستعينين بالله تعالى:
1-قول القائل: [ ونعتقد أن إنتفاء المستحبات الظاهرة يلزم منه إنتفاء الإيمان المستحب في الباطن وكذلك انتفاء ألواجبات الظاهرة يلزم منه انتفاء الإيمان الواجب في الباطن] فمحل التلبيس أن الإيمان الواجب المراد عند أهل السنة إنما هو الإيمان الذي لا يصح الإسلام إلا به كما قد ذكرناه في موضعه. بخلاف ما يذهب إليه المخالفون فعندهم الإيمان إنما هو الواجب الذي دون الركن. وقد تم إيضاح ذلكم الخطأ في مظانه ليتنا لا نحتاج إلى إعادته [بقليل من القراءة]

2- نقل ابن تيمية المنقول . إنما لأهل السنة وليس للقائلين بعدم ركنية عمل الجوارح...
قال شيخ الإسلام رحمه الله((فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه؛))الفتاوى{644/7}
فالاستدلال بهذا يشبه الاستدلال على على التثليث بصورة الإخلاص, [حاشاكم] وبيان بطلان هذا الفهم وما حل من وهم من وجوهم وهي على قسمين:
-   أدلة خارجة عن هذا السياق تبين مراد شيخ الإسلام من الإيمان الواجب وتلك التي تم توضيحها في المقالة السابقة, ولا حاجة لإعادتها, لكن نقتطف منها يقول: -  رحمه الله - [وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه وحكمه من غير إيمان بالله ورسوله لم يخرج بذلك من الكفر فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد ] الإيمان الأوسط: مجموع الفتاوى (7/ 621), وأول النقل وآخرها كل جزء منهما حجة قائمة بذاتها على بيان مذهب شيخ الإسلام وبراءته مما ينسب إليه.
-   أدلة داخل السياق على أن المراد بالتلازم بين أصل القلب والظاهر إنما هي أعمال الجوارح, وإن كنا أكثرنا من حسن الظن بالمخالفين لكن في الحقيقة تعبنا جدا وأجهدنا أنفسنا في تلمس الأعذار فما وجدا نقلا إلا مبتورا أو محرفا تحريفا لفظيا من أدلة المخالفين حتى كدنا نصدق ما يقال فيمن لهم بعض فضل, على كل حال نذكر شيئا من ذلك:
o  أن الإمام ذكر ذلك في موضع بيان الإيمان وقد سئل سؤالا طويلا منه بيان حقيقة الإيمان.
o  أنه قال هذا بعد أن ذكر طرفا من حديث جبريل ثم قال: [وفى حديث في المسند قال الإسلام علانية والإيمان في القلب فأصل الإيمان في القلب ] فهذا محل بيان لتفاصيل الإيمان.
o  قوله: [فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد] هذا لا يعني أن البقية فرع عليه وأنه لا يلزم وإلا للزم القائل بهذا أن يقول بخروج عمل الجوارح عن مسمى الإيمان [وحينها نستريح], وإنما المراد أنه أول ما يقع في القلب, كما أن أول شيء يقع هو التصديق ثم يندرج بعده أعمال القلوب التي تذعن المرء للإقرار بالشهادتين ثم العمل, وإنما هذا الوهم من جنس الوهم الذي وقع فيه المنكرون على أبي محمد المروزي عندما قال إن أصل الإيمان التصديق بالله, فقالوا: هذا إرجاء, وفي الحقيقة إن هذا صحيح في الجملة وذلك أن أول ما يقع في القلب التصديق كما سبق بيانه وليس معنى هذا أن البقية فرع يمكن الاستغناء عنهم بما لا يزول به الأصل.
o  قوله: [وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه], أي كل ما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه مقتضاه على الجوارح. والموجب أي لازم هذا الشيء أي المقتضى وإنما غر المخالف هذا اللفظ الذي يشبه حروفه حروف كلمة [الواجب], ولذلك قال [موجبه ومقتضاه]
o  أننا لو قلنا بقول الواهم بأن مراد الإمام بكلمة [بموجبه] أي الواجب – وإنا لله وإنا إليه راجعون على مصاب الأفهام – فمقتضى ذلك أن الشيخ لا يرى ما يظهر على الجوارح إلا الواجبات التي هي فوق الركن ودون المستحب .. فتأمل!
o  أن النص مقطوع من تمامه كما أنه مبتور من رأسه وسياقه فإن من تمام النص قوله [ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه وهى تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له وهى شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له], يلاحظ قوله [ وهي تصديق لما في القلب ...]. وهو موافق لكلامه وتفصيله عن حقيقة الإيمان.
o  أنه يدل على أن المراد بالأصل مع وجوب ظهور المقتضى على الجوارح هو ما القلب قوله بعد النقل السابق في ذات الفقرة [لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح]
o  ثم في الصفحة التي تليها يقول مجموع الفتاوى (7/ 645) [فإذا قال القائل هذا يدل على أن الإيمان ينتفي عند انتفاء هذه الأمور لا يدل على أنها من الإيمان[[[ قيل هذا اعتراف بأنه ينتفي الإيمان الباطن مع عدم مثل هذه الأمور الظاهرة فلا يجوز أن يدعي أنه يكون في القلب إيمان ينافى الكفر بدون أمور ظاهرة لا قول ولا عمل وهو المطلوب وذلك تصديق وذلك لأن القلب إذا تحقق ما فيه أثر في الظاهر ضرورة لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر]] فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور فإذا كان في القلب حب الله ورسوله ثابتا استلزم موالاة أوليائه ]اهــ فجعل تصديق الباطن يوجب تصديق الظاهر من القول والعمل, أكملوا بقية كلامه ففيها فقرات أخرى تدل على سبق بيانه من بتر أو تدليس أو جهل أو [وهم] وهو أحسن ما نصل إليه من الظن.
وأما قول القائل:
[والنزاع في الجزئية القادمة وهي أصل الإيمان في القلب , ما علامته في الظاهر وما هو اللازم منه؟]
وقوله: [فأنا أعتقد أن أصل الإيمان = النطق+ الإقرار+ أصل كل عمل قلبي واجب], هذا فيه خلل واضح, من حيث المنقول والمعقول.
فمن حيث المنقول: الأدلة المشهورة منها: [ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله], وغيرها مما هي العمدة في بيان التلازم بين القلب والجوارح.
ومما يدل على هذا الفهم: قول شيخ الإسلام: [وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات] الفتاوى [7\621] قبيل النقل الذي اقتبسته بورقات.
ومن حيث المعقول: من وجهين:
الوجه الأول: أن التلازم إذا كان على ثلاثة مراحل لابد من التزامن في المراحل الثلاث فإذا قلنا: ركن وواجب ومستحب, فلابد أن يكون التلازم متزامنا في المراحل الثلاث. وعند المخالفين لأهل السنة: لا يتزامن إلا في المستحب والواجب فقط, وهذا من أعجب العجاب.!
ــــ
الوجه الثاني: أن التلازم إذا كان فعلا في الباطن فلابد أن يكون من جنسه في الظاهر ما هو مثله ولا بأس بأن يكون معه ترك, وبالتالي فجعل الرجل المؤمن بقلبه من أصل أعمال القلوب من حب وانقياد واستسلام وخوف ورهبة ورغبة وتوكل وغير ذلك ثم لا يكون معه عمل ظاهر قط!
ـــــــــــــــــ
وأما قول القائل: [وأنت تعتقد أن أصل الإيمان = النطق+الإقرار+أصل كل عمل قلبي واجب+أي عمل من أعمال الجوارح فلابد من ظهوره "حتى لا يكون كافر بترك جنس عمل الجوارح"
فأنا عايز منك حد من السلف قال أن أصل ما في القلب من الإيمان = اللى إنت بتعتقده حتى يكون مسلما عندك]
وكذلك قوله قبلها : [طبعا علشان نتصور المسألة سأفترض أني أنا وانت نأخذ بقول الكفر الأصغر لمن ترك الصلاة تكاسلا لأنها خارج محل النزاع وليس الكلام عليها بذاتها حتى لا يحدث إشكال في الفهم بيني و بينك]
قلت:
هذا الكلام يدل على عدم تصور المسألة ابتداء وذلك يستبين بتبيان الاستشكال من جهتين:
1- تبيان حد ذلك العمل الظاهر الذي يكفر تاركه: على الخلاف المذكور بين السلف والخلف. والصلاة مجمع عليها عند السلف. والخلاف في المباني هل يكفر بترك الأربعة أم بالصلاة فقط أم الصلاة والزكاة وما شابه هو بذاته الذي يحده.
أن مدار الإجماع على هذا البيان كله وهو ركنية العمل, وأنه مبني من ركنين [القول + العمل] فمتى خفي أحدهم لم يصح الإيمان.
وهذا الذي حققه شيخ الإسلام قال: [
* قال : وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن أحمد
 أحدها أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر وهذا قول طائفة من السلف وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر
والثاني أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره
والثالث لا يكفر إلا بترك الصلاة وهى الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من السلف وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وطائفة من أصحاب أحمد
والرابع يكفر بتركها وترك الزكاة فقط
والخامس بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج وهذه المسألة لها طرفان
أحدهما في إثبات الكفر الظاهر
والثاني في إثبات الكفر الباطن
2- فأما الطرف الثاني فهو مبنى على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح. )) مجموع الفتاوى ( 610 : 611 )
ـــــــــــ
وقول القائل:
[العمل الذي يظهر هو الترك للشرك فلا يسجد لصنم وهذا من لوازم أصل الإيمان ولا يسبح بغير الله مثلا..الخ
وانت قلت بأن الترك فعل 
فانتبه أخي للفرق في التلازم ]
قلت: هذا من العجلة في التبيان, ومن التغمية عن الحق, فالذي دل المخالف على هذا الفهم كان ينبغي أن يبين له حقيقة هذه القضية الأصولية ومنزع الخلاف فيها وأثره, ومن تبيان ذلك النظر إلى جهتين:
1- جهة المعنى: فقول القائل – على الخلاف بين الأصوليين – [الترك فعل] فإنما المراد به [أي أنه فعل من حيث وجوده ] بشرط القصد, ولذلك يقول الزركشي في القواعد المنثورة [الترك فعل إذا قصد] أي أنه وجودي من حيث كونه يحتاج إلى نية وإرادة جازمة, ولذلك قال ابن القيم في الجواب الكافي (ص: 136)
 وأما عدم الفعل فتارة يكون لعدم مقتضاه وسببه وتارة يكون بوجود البغض والكراهة المانع منه وهذا متعلق الأمر والنهى وهو يسمي الكف وهو متعلق الثواب والعقاب وبهذا يزول الاشتباه في مسألة الترك هل هو أمر وجودي أو عدمي والتحقيق انه قسمان فالترك المضاف إلى عدم السبب المقتضي عدمي والمضاف إلى السبب المانع من الفعل وجودي]. وهو قول شيخه ابن تيمية أيضا.
2- الجهة الثانية: وهي أن الشرك يكون بالترك أيضاً, وفيه دليل على صحة إطلاق الحديث وأن ترك الصلاة من الشرك, [إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )) وبالتالي صح الأخذ بظاهر الحديث.
ورغم هذا والتفريق في الترك الذي هو العدم والترك الذي هو الفعل بمعنى أنه له وجود تفاديا لمذهب المتكلمين فيقول شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/ 86) [وأيضا فإن الإيمان عند أهل السنة  والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة و أجمع عليه السلف وعلى ما هو مقرر في موضعه فالقول تصديق الرسول و العمل تصديق القول فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا و القول الذي يصير به مؤمن قول مخصوص و هو الشهادتان فكذلك العمل هو الصلاة]اهــ  يلاحظ قوله [فكذلك العمل هو الصلاة] فجعل العمل الذي هو الصلاة مقابلا للقول الذي هو الإقرار. 

وأما قول القائل:
[والتحقيق عندي في هذه المسألة أنها إجتهادية مما يسوغ فيه الخلاف 
لأنه لا نص فيها والله أعلم   ولا إجماع عند كلا الطرفين]
فالتحقيق – يحتاج لقراءة وضبط  لا مجرد النقل عن بعض الكتب التي فاتك بعض شبهاتها أيضا –  ولا للتكاسل, كما أن التحقيق أن هذه مسألة مجمع عليه بين أهل السنة وأن كل من قال إن العمل شرط كمال فذلك مرجئ مخالف لإجماع المسلمين المتواتر. والمجتهد فيها من جنس اجتهاد المرجئة في لي الأدلة وتحريف الآثار والنصوص.
يراجع أسباب الوهم.

والحمد لله في الأولى والآخرة
 ــــــــــــ
والنقاش في نهايته الآن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More