تعديل

الأحد، 5 أبريل 2015

الضرورة والإكراه في عرف الشرع:[مشاهد وأنماط. [7]

مشاهد وأنماط من أفهام مظلمة مشوَّهة. [7]


الحمد لله وحده:
كنا قد ذكرنا قبل ذلك مشاهد وأنماط من أفهام تحمل أفكارا ملوثة من آثار الراية الشركية والآثار الجاهلية كما أنها لم تعد تقتصر على الأتباع بل طالبت – للأسف – بعض الشيوخ ممن درسوا ونصبت لهم المنابر شهرتهم, وسواء كانوا قد ضللوا أتباعهم أو أن أتباعهم ضلت فكذبوا عنهم أو أن أتباعهم أرادت أن تصنع لهم تأويلا فاختلقت عذرا أعظم من ذنب حتى صار الأتباع في متاهة لا يخرجون منها إلا بطرد تلك الاعتراضات التي نسوقها بالأدلة ومعاملتها معاملة الوساوس فيسلمون لعلمائهم كأن الاستسلام المطلق لهم من قبيل الاستسلام للواحد القهار حتى اختلط باب التقليد بالطاعة والمحبة نسأل الله العافية والثبات.
وبطل حلقتنا هذه المرة هي تلك الدعوة الصارخة بكذبها وضلالها والتي تستغل وتشاع بل هي من أشهر ما يستدل به على ألسنة الناس كافة  في تجويز الدخول والمشاركة في صناعة طاغوت جديد وياسق العصر المسمى بالدستور وتلك القاعدة: هي قاعدة [الضرورات تبيح المحظورات]. وهي قاعدة صحيحة من أشهر القواعد وأهمها دلت عليها الكتاب والسنة إلا أنها تنادي صارخة تقول [رحماك رحماك] من ظلم العباد لها حتى في تحليل الكفر والعياذ بالله .. ولن أكثر الثرثرة ولندع مقالات العلماء السابقين هي التي تفصل في تبيان تلك المسألة والتي ملخصها
هل يجوز قول أو فعل الشرك أو الكفر للضرورة؟
وما هو حد الضرورة؟

وما حد الإكراه؟

وما الفرق بينهما؟

وما شروط الإكراه؟

والإجابة هي ما تتضمنه تلك المقالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حد الضرورة والفرق بينها وبين الحاجة؟



قال الزركشي في المنثور في القواعد  (2/ 383)

الضرورة : بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات أو تلف منه عضو .وهذا يبيح تناول المحرم .

والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة ، وهذا لا يبيح المحرم .اهــ



حد الإكراه:



أما الإكراه: فهو إلزام الغير بما لا يريد.

فقسمه الأصوليون إلى نوعين:

إكراه ملجئ.: وهو الذي يقع على نفس الملجئ وليس له فيه قدرة ولا اختيار كأن يهدد بالقتل أو أن يعذب عذابا شديدا أو إتلاف نفسه أو إتلاف عضو منه.

إكراه غير ملجئ.: وهو ما يقع على ما دون النفس فلا يبقى معه الرضا لكن يبقى له الاختيار لعدم مباشرة الضرر كأن يهدد بالحبس أو الضرب غير المهلك, وكونه يمكنه الصبر عليه.

والصواب: أن المعتبر في الكفر هو الإكراه الملجئ ليس الأذى المجرد ولا الضرورة, ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10].

قال ابن الجوزي في زاد المسير (5/ 69) [ أي : ناله أذى أو عذاب بسبب إِيمانه { جَعَلَ فِتْنَةَ الناس } أي : ما يصيبه من عذابهم في الدنيا { كعذاب الله } في الآخرة؛ وإِنما ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله تعالى لِمَا يرجو من ثوابه]

وكذلك لما قال قوم شعيب لشعيب:

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) فمع كونه سمى هذا إكراها لم يجعله سببا لأن ينطق بالكفر ولا من اتبعه فماذا قال؟

 {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 88، 89]

قال الطبري في تفسير الطبري (12/ 562)

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: قال شعيب لقومه إذ دعوه إلى العود إلى ملتهم ، والدخول فيها، وتوعدوه بطرده ومن تبعه من قريتهم إن لم يفعل ذلك هو وهم:( قد افترينا على الله كذبا ) ، يقول: قد اختلقنا على الله كذبا،س وتخرصنا عليه من القول باطلا= إن نحن عدنا في ملتكم، فرجعنا فيها بعد إذ أنقذنا الله منها، بأن بصرنا خطأها وصواب الهدى الذي نحن عليه= وما يكون لنا أن نرجع فيها فندين بها ، ونترك الحق الذي نحن عليه=( إلا أن يشاء الله ربنا ) إلا أن يكون سبق لنا في علم الله أنا نعود فيها ، فيمضي فينا حينئذ قضاء الله، فينفذ مشيئته علينا.]اهــ



شروط الإكراه:



قال الحافظ: وشروط الإكراه أربعة:

الأول: أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار.

الثاني: أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.

الثالث: أن يكون ما هدده به فوريا فلو قال إن لم تفعل كذا ضربتك غدا لا يعد مكرها ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لا يخلف.

الرابع: أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول أنزلت فيتمادى حتى ينزل وكمن قيل له طلق ثلاثا فطلق واحدة وكذا عكسه.]اهــ. فتح الباري - ابن حجر (12/ 311)

ـــــــــــــ

الفرق بين الضرورة والإكراه:



وهنا نستخلص أن الضرورة ليست هي الإكراه وإن تشاركا في بعض الحيثيات, وأهم الفوارق فيهما:

أن الإكراه لابد من وجود من يدفع الجوارح لفعل ما تكره خلافا للضرورة.

وأن الإكراه في بعض حالاته لا يجوز فيه الإضرار بالغير كأن يقتل نفسا خشية على نفسه أو ولده. وعليه جماهير أهل العلم.
كما أنه يفرق بين الإكراه الملجئ وبين غيره.

يقول شيخ الإسلام:

يقول شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (5/ 489)

[ تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراها

وأن الإجماع منعقد على عدم جواز النطق بالكفر ومن باب أولى الفعل إلا في الإكراه مع اطمئنان القلب.

قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 178)

 ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان]اهــ

ــــــــــــــــــــــ
وعذرا للاختصار وإهمال بعض جوانبه فقد دعت له الحاجة مع اعتبار الحالة العامة للقارئ وضيق الوقت لدى الكاتب. ونسأله تعالى الإخلاص والقبول.
والحمد لله في الأولى والآخرة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More