تعديل

الثلاثاء، 24 مارس 2015

(قصة من حياتي)

يا أستاذ؛ والله إنها كلماتي ..!

كنت في الثانوية أهتم بالقراءة الأدبية، - وكنت قد بدأت أتخلص من تبعيتي لأخي الذي أرغمتني ثقافته على ارتداء ثيابه فقرأت أكثر ما نُشر من إصدارات روايات للجيب كرجل المستحيل والمكتب رقم ١٩ وما وراء الطبيعة وزوم وبعض كتب طه حسين والعقاد وتلميذه أنيس منصور ونجيب محفوظ ومقالات تنشر لعبد الرحمن بدوي وبعض الروايات المترجمة كدكتور جيكل ومستر هايد وأنا كرنينا والنظم الاقتصادية لصلاح الدين نامق والشيوعية لكارل ماركس وقصة الفلسفة فكان هذا الباب هو المفارقة لم يكن قصدا بل توافق اهتمامي بعلوم الشريعة ولم يعد ثياب أخي يناسبني إلا أنه تبقى لي اهتمامي بالشعر والمقالات القصيرة وأكتب الشعر على طريقة الهواة من غير ضبط للبحور وإن كانت متناسقة نسبة لسن الثانوية - وكان مما أذكره من حوادث الثانوية وهي كثيرة، ما جرى لي مع مدرس اللغة الفرنسية، وكان المسئول عن الأنشطة المدرسية الخاصة بالفصل، ووافق هذا اليوم احتفال ( عيد الأم ) الذي كنا نحبه ونكرهه نحبه لأنه سيشغلنا عن الدراسة المملة، ونكرهه لأننا سنتكلف ثمن هديتين هدية للأم وأخرى للمدرسة ( المِسّ ) ولم أكن أصل لمستوى علاقة العادات بالعبادات بل مجرد شاب مُصَل،ٍ وكنت أبغض هذا الأستاذ وكنت أتعمد ألا أجيب أسئلته الاختبارية لأنه كان يقدم فتيات الفصل علينا (الفصل مختلط) رغم تقدمي في اللغتين الانجليزية والفرنسية نسبة لطالب ثانوي من أسرة متوسطة الحال (متوسط الحال تطلق في مصر غالبا على من يستطيع سداد ثمن ديون حصيلة تكاليف العام على أقساط) كان يهتم بفتيات الفصل دون ذكورها، فكنت أنقم عليه هذا.
في يوم الحفل.
- من المسئول عن الكلمة ؟
- أنا يا أستاذ وقد حضَّرتُ هذه الكلمة.
التقطها وأخذ يطالعها مطالعة المستكشف العجلان، ثم قال: من كتبها ؟
- أنا يا أستاذ.
- نعم أفهم، من أين نقلتها؟
- لم أنقلها إنما هي من إنشائي!
- فنظر إلي، أنت كتبتها، طبعا لا، ثم انطلق ليتابع بقية فاعليات الحفل.
- يا أستاذ والله إنها كلماتي ....
كم حزنت حينما كذبتني عيون الأستاذ وقد تعبت في إنشاء مقالتي وإحداث تراكيب تشبه تراكيب الأدباء ولا يشمئزها الفصحاء، لم أكن أحسن حينها معنى الإخلاص لكنني أردت كلمة إنصاف، ولما قدمني مقدم الحفل وهو زميل، لم يقل إنني كاتب المقالة أو الكلمة بل مجرد تال لها، قرأت المقالة ولم أستشعرها، الكلمات ليس كلماتي، لم تكن بناتي ولا تلك التي عايشتني ليلتي وسعاتي، تلعثمت، وما تحملت أن تنسب لغيري كلماتي، تلعثمت لكنني كنت أحسن ممن لا يتلعثم، لا أدري هل أعجبتهم كلماتي أم صفقوا لإلقائي أم كان التصفيق للجميع (اتيكيت) ؟
لكنهم على يقين أن تلك الكلمات لم تكن كلماتي !
أعترف أنه مرت علي خاطرة تداعبني قائلة: إن شكهم فيك مدح لك، لكني لم أكن حينها أحسن التقاط هذه المشاعر وغزلها بقدر حاجتي لكلمة أثقل بها موهبتي وتدفعني لتجاوز قلقي واضطرابي.
ولم أبرح الثانوية ( أظنني كنت في السنة الخامسة التجريبية حينها ) حتى جاءتني أختي الصغرى قائلة: إن مدرسة اللغة العربية أخذت مني موضوع ( الربيع ) الذي كتبته لي، وسألتني عنك ولم تصدق أنك في الثانوية وأعجبها تماما وقالت اكتبي غيره وسأعطيك الدرجة !
فلما ولجت علوم الشريعة وأقبلت عليها إقبال الجوعى على الثريد، عرفت أنني تعجلت الوصول ولم أحظ الأصول، واستفدت في تشجيع المريدين وألا أحكم على باطن بظاهر وكلما قصدني أحدهم قلت ومن يدري لعل هذا يكون له شأن عظيم، فخادم العظماء له ثواب عظيم، وعلمت الفرق بين المدرس والأديب والمعلم والحكيم!
وأخيرا لم أعد في حاجة أن أقول: يا أستاذ والله إنها كلماتي !
ونسيت أن أقول إن أخي الذي علمني أقرأ للشيوعية والفسلسفة والنظم الاقتصادية صار سنيا إرهابيا !

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More