تعديل

الثلاثاء، 24 مارس 2015

مصارعة الفلاسفة على حلبة المسلمين

أراد بعض الوجوديين ( وهو أحد أضلع الفلسفة الوجودية في مصر إن لم يكن في الشرق الأوسط كله ) أن يعتذر عن سيده ومولاه - كما يحلو له وصف أساتذته - جان بول سارتر - وجان تأثر بأستاذه كيركجارد الألماني زعيم الوجوديين في عصره إلا أن كيركجارد كان يؤمن بوجود رب على طريقتهم لدراسته اللاهوت فأخذ سارتر عنه الوجودية إلا أنه لم يؤمن بوجود إله ومن هنا انقسمت الوجودية إلى وجودية إيمانية يمثلها كيركجارد ووجودية إلحادية يمثلها سارتر - فأراد أن يعتذر عن إلحاد أستاذه فقال : ما حاصله - إن سارتر قال (استبعاد الله عن الحكم على الأشياء وجودا وعدما، وليس هذا إلحادا ). وبعض المشتغلين بالفلسفة يصنف اللا أدرية كإلحاد خفيف وينسحب هذا - بديهة - على الفلسفة الوجودية لتداخل المذهبين وإن كان الوجوديون أو بعضهم ينكرون كون رأيهم مذهبا لإيمانهم بالعبثية وأن الخير والشر نسبي لا منطق له وأن الإنسان حر ليس ملزما بفعل ولا اعتقاد سوى أن يكون له رأي وهم أشبه ما يكونون في هذا باللا أدرية المؤقتة والتي هي قسيم اللا أدرية القطعية وهما مشتركان في اعتقاد أن أصل أصول العلم هو الشك وأنه لا يحكم على شيء بالوجود أو العدم وليس للعقل أن يتأثر بالأحكام مهما كان الحاكم دينا أو عادات أو تاريخا أو حضارة، ويفترقان في بعض المسائل منها ثبوت الألوهية والمسائل الغيبية هل يمكن إثباتها بظهور دليل؟ 
اللاأدرية المؤقتة ترى الأمر منوطا بالدليل ومتى ظهر دليل فهو المرجح، أما القطعية فترى الشك في هذه الأمور ( الغيبية )حتميا ولا يمكن إثباتها البتة.
مما يذكر أن بعض المشتغلين بالفلسفة يأخذون على الوجوديين أنهم ليسوا إلا صورة من الشيوعية بل هم أقنع منطقيا، ولما سأل أحد الوجوديين المشهورين الأديب المعروف ديرنمات هل أنت وجودي؟
فرد بما حاصله : قال أنا أُقدِّر الوجودية لكنها لا تساعدني في عملي، فالوجودية تسمي الفرد بطلا ولا تعطيه البطولة وتسميه مَلكا ولا تعطيه مُلكا، ومع ذلك علق هذا الوجودي قائلا ( إذن فردريش ديرنمات وجودي المعاني وإن كنا لا نجد هذا في رواياته )! وانتقاد الفيلسوف المذكور هو بعينه انتقاد بعض المشتغلين بالفلسفة للوجوديين، وهذا النقد في الجملة لم يسلم منه مذهب فلسفي، فدائما هناك فجوة بين تلك النظريات وواقعها، وما كاد سارتر يحتفل بانتشار فلسفته حتى اجتاحت أوربا إلا واجتاح معها انحلال لم يشهده المجتمع قط، فسارع بالتصريح بنفي مسؤليته عن هذا الانحلال هو و ( صديقته ) الأديبة الوجودية سيمون دي فوار.
ولما عزم سقراط فيما أذكر - على تطبيق فلسفته عمليا اتخذ وتلامذته مكانا ليجعله مدينته التي بناها في نظرياته، ففشل فشلا ذريعا، حتى قالوا ( نجح سقراط نظريا وفشل سياسيا ) وهذا أليق من أن يقال إن النظريات الفلسفية ليست إلا سفسطة منمقة، وليس الكلام عن التأثير وإنما عن نظرياتهم وواقعها وإلا فقد تأثر بها حتى الإسلاميون في مقالاتهم، وإنما المراد التدليل على أنها عالم يكذبه الخيال له دور فكري محدد !
وأنا سأدعك تتصور من موقف أو موقفين مدى العقلانية التي تصب من هؤلاء.
يذكر أحد الفلاسفة المعاصرين موقف لسيد الفلاسفة وزعيمها مادحا إياه، أسوق الأقوال والأحداث بالمعنى، ( كان من عادة الأستاذ أن يستغل وقته في تعليم تلامذته، في مرة منها وقف عند بابه متعجبا، الباب مغلق، هل يمكن أن تكون قد خرجت، وإن خرجت لماذا لم تترك الأبناء؟! وأخذ يتسائل قريبا من عشرة سؤالات بهذا الاستنباط ... ولم يهتد لحل ) حتى نبهه أحد تلامذته قائلا، يا أستاذ الحل يسير فإنه ليس منزلك وإنما هو هذا )!
لاشك لسنا نتعجب من الوهم فلا يسلم منه أحد وإنما الفلسفة النظرية التي شغلته عن الواقعية، ولم يكن ما سبق مجرد حالة عابرة وإنما حتة في نقاشاته مع زوجته التي صب عليها بنقمته عليها لعنات الفلاسفة، رغم أنها تضحكني أيضا لكن الأمر خطير، تعجز امرأته عن إقناعه بتقصيره في حقهها وولدها، فإذا غلبها قامت بوضع الكرسف في فمه وربما سكبت عليه ماء انتقاما منه، ويتجلى هذا في تأثر تلامذته به،، فبعده أصيب بعضهم بالجنون وبعضهم صار ينام بالطرقات ، ومن الطرائف أن أحدهم - بعدما مات المعلم وقف قائلا: ما حاصله. مات المعلم، فهل نحن موجودون؟ وما الدليل على وجودنا؟
ومع كل هذه المعارضات والردود والمصارعات، فإن المناطحات لا تزال مستمرة، وتطور بتطور الأفكار إن لم تكن تصنعها !
ومع ذلك فهي لا تختلف على وجوب استبعاد ( الله بمفهوم المسلمين ) عن الحكم والعلم، وما يتبع هذا من قضاء وقدر .... )، بل إن شئت فقل هي طريقة مخترعة لاسنبعاد كل دين يخالف السلطة الحاكمة فلما نجحت الطريقة اتخذها الحكام دينا ومنهجا، ولعلك توافقني على هذا إذا علمت أن سقراط مات بالسم عقابا، بتهمة إفساد دين الشباب ( الدين الرسمي الوثني حينها )
الشاهد: إن هذه المذاهب الكثيرة ما هي إلا خيوط عنكبوتية لأصل واحد، وإنما قطعوها إلى جزئيات والجزئيات إلى ذرات ثم جعلوا من كل ذرة أصلا، ويتعاهدون هذا بتطور الأحداث وتقادم الأزمان، حتى صار هذا عقيدة فكرية فقط.
فاغتالوا به العقول وساسوا به الناس دون السلطات الحاكمة إلا بالقدر الذي لابد منه، فهذه الجزئيات كاللا أدرية والفلسفة الوجودية والمختبريين والشيوعية ما تولد منها كالليبرالية والعلمانية وما يتبعها من أنظمة حكمية كلها تسعى لأصل واحد ألا وهو هدم عقيدة ( التسليم لله الواحد في أوامره ونواهيه ).
الخديعة الكبرى.
كثير من المنتسبين للسنة ظن أنه يمكن التخلي عن هذه النظريات فلا بأس بالمشاركة تحت لوائها للضرورة والبراءة من المعاني الباطلة واعتمدوا على أن المشاركة في شيء لا تقتضي الرضا بها، رغم أننا ناقشنا خطأ إطلاق هذا المعنى، فإن موضع الخلل أبعد من هذا، فإنهم في الحقيقة ينفذون ويستسلمون لأوامر هذه النظرية بل جعلوها واقعا عجز عنه هؤلاء، ولا عبرة بمرادك ومقصدك، فإنه لا يخالف مذهبهم إذ القصد هو استسلام الناس لأوامر الناس، ويتجلى هذا الاستسلام في سلطان هذه النظرية وقواها اجتماعيا، وهذا مؤثر معتبر شرعا فقد أجاز جماعة من الفقهاء على جواز الاستعانة بالمشركين على مشركين بشروط أهمها أن تكون الغلبة للإسلام والقهر له.
والحقيقة أن المسلمين تأثروا بهم من معتزلة وجهمية وأشاعرة وكرامية وكلابية وشيعة بل تأثر بهم كثير ممن ردوا عليهم، وجمع إسلاميو اليوم من هؤلاء أثرا في الإيمان والسياسة ....
----------- الخلاصة -----------
١- المذاهب الفلسفية وما يتبعها من أنظمة حكمية إنما هي أفكار لاجتياح المجتمعات وعامة المحكومين وتسويد عقيدة الشرك للتخلص من قوى الإسلام.
٢- هذه النظريات إنما تجري على العامة فقط، دون الأنظمة الحاكمة إلا بالقدر الضروري الذي يساعد جريانها على المجتمعات، وإلا فسياستها السيف.
( طويلة مملة ولولا إرهاقي وصعوبة الكتابة عبر الهاتف لزدت، فكأنني كنت مساقا إليها كتبتها استرسالا من دون رجوع لمصادر فعذرا لوهم أو نسيان أو لحن )
والحمد لله وحده.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More