تعديل

الثلاثاء، 24 مارس 2015

ما حكم قتل الأسير

الإمام مخير على الراجح.
الخلاصة في بيان مذاهب الفقهاء في معاملة الإمام للأسير.
تفاوتت أقوال الفقهاء في الأسير تبعا لثلاثة أمور أو تزيد:
الأمر الأول: أن بعضهم اعتبر الفوارق بين الكتابي والوثني والمرتد. [الوثني يدخل فيه الشيوعيون والملاحدة وكل من لم يؤمن بكتاب فإذا اختار دينا بعد إسلام وكان بالغا فهو مرتد]: وهذا له آثار لاشك فعلى سبيل المثال:
إن كان الأسير كتابيا فيشرع في حقه الفداء بينما المرتد لا يفدى البتة بل إن المرتد الذي غلظت ردته لا يستتاب كما حال الستة الذين قال فيهم النبي – صلى الله عليه وسلم – اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة, وهو مأخذ العلماء في التفريق بين من يستتاب ومن لا يستتاب والجمع بين النصوص.
إن كان الأسير وثنيا [لا يؤمن بكتاب] فهذا لا يشرع استرقاقه عند طائفة من أهل العلم ولأجل هذا ذهب مالك إلى جواز أن يفدى الأسير الكتابي بالجزية دون الوثني, وفي رواية عند أحمد يجوز استرقاق المشركين عموما وهو اختيار ابن القيم في أحكام أهل الذمة, ويفرق أبو حنيفة بين مشركي العرب وغيرهم من العجم.
الأمر الثاني: لتفاوت الرؤى في أي الأمور أصلح:
فبعضهم يرى:
أن القتل أفضل أو أوجب وذلك أن الأسرى من أخذوا في حرب فكيف يترك الأمير المقاتل ليعود فيقاتل المسلمين مرة أخرى, بل ذهب بعضهم إلى حرمة الفداء والمن, إذ ليس له سوى القتل أو الاسترقاق, وقد ذهب إلى قصور التخيير على القتل أو الاسترقاق محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في السير الكبير [ج 3/1020 ترقيم الشاملة]
وترى طائفة: أن المصلحة لا تقتصر على قتله فقد يكون المسلمون أحوج للمال أو استبداله بأسرى مسلمين أو علم ينتفع به المسلمون.
الأمر الثالث: تعدد النصوص الواردة في الباب:
كقوله {فاضربوا فوق الأعناق} قالوا: هذا أمر بقتل الأسير وذلك أن ضرب العنق لا يكون الضارب فيه إلا في جهة المتمكن من مفصل العنق أي حال الأسر.
قوله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء} وهذا النص الشريف له الحظ الأوفر في توجيه الخلاف:
فالفريق الذي يرى أن الإمام مخير بين القتل والاسترقاق والفدية والمن اختلفوا تبعا للنظر فيه على قولين فقال بعضهم: هذا يدل على مطلق التخيير, وآخرون قالوا: نعم للإمام التخيير إلا أنه لا يفهم منه الاختيار بالتشهي بل يشترط استقراء الأصلح للإسلام والمسلمين, وهو مذهب الشافعي وأحمد.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن هذا الحديث في اقتصار الخيار على المن أو الفداء وأن هذه الآية محكمة.
بينما ذهب فريق إلى أن الآية منسوخة بآية السيف: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وهو مذهب أبي حنيفة واختاره الشيباني صاحبه في السير الكبير [نفس الجزء والباب].
إلا أن الفريق [أحمد والشافعي] رأوا أن آية السيف عامة والعام لا ينسخ الخاص, وأن الأولى الجمع بين النصوص.
حال كون الأسير كتابيا فالإمام مخير بين القتل والمن والفداء والاسترقاق, وهو المذهب.
وفي مسائل أحمد وإسحاق بن راهويه, قال: قلت: إذا أسر الأسير يقتل أو يفادى أحب إليك؟
قال: إن قدروا أن يفادوا فليس به بأس. وإن قتله فلا أعلم به بأساً. ] المسائل للكوسج (8/ 3899)
وقد تقرر أن التخيير لم يكن على سبيل التشهي وإنما لمراعاة المصلحة الأغلب للإسلام والمسلمين ولما كانت المصلحة تتفاوت بين الأزمنة والأمكنة تركت للإمام ليراعي المصلحة:
يقول ابن قدامة في المغني:
ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى ، فإن منهم من له قوة ونكاية في المسلمين ، وبقاؤه ضرر عليهم ، فقتله أصلح ، ومنهم الضعيف الذي له مال كثير ، ففداؤه أصلح ، ومنهم حسن الرأي في المسلمين ، يرجى إسلامه بالمن عليه ، أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم ، والدفع عنهم ، فالمن عليه أصلح ، ومنهم من ينتفع بخدمته ، ويؤمن شره ، فاسترقاقه أصلح ، كالنساء والصبيان ، والإمام أعلم بالمصلحة ، فينبغي أن يفوض ذلك إليه ، وقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } عام لا ينسخ به الخاص ، بل ينزل على ما عدا المخصوص ، ولهذا لم يحرموا استرقاقه ، فأما عبدة الأوثان ، ففي استرقاقهم روايتان ; إحداهما ، لا يجوز .] المغني (ج9 / 7451)
والخلاصة:
التي تؤيد النظر الصحيح هو الجمع بين الروايات:
وقد عقد ابن القيم فصلا في زاد المعاد لهذا الشأن:
فصل في حكمه في الأسرى –
النبي صلى الله عليه وسلم -
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأسرى أنه قتل بعضهم ، ومن على بعضهم - بعضهم بمال ، وبعضهم بأسرى من المسلمين ، واسترق بعضهم ، ولكن المعروف أنه لم يسترق رجلا بالغا .
فقتل يوم بدر من الأسرى عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث . وقتل من يهود جماعة كثيرين من الأسرى ، وفادى أسرى بدر بالمال بأربعة آلاف إلى أربعمائة ، وفادى بعضهم على تعليم جماعة من المسلمين الكتابة ، ومن على أبي عزة الشاعر يوم بدر ، وقال في أسارى بدر : " لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له " .
وفدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين .
وفدى رجالا من المسلمين بامرأة من السبي ، استوهبها من سلمة بن الأكوع ومنَّ على ثمامة بن أثال ، وأطلق يوم فتح مكة جماعة من قريش، فكان يقال لهم الطلقاء .
وهذه أحكام لم ينسخ منها شيء ، بل يخير الإمام فيها بحسب المصلحة ، -واسترق من أهل الكتاب وغيرهم ، فسبايا أوطاس ، وبني المصطلق لم يكونوا كتابيين ، وإنما كانوا عبدة أوثان من العرب . واسترق الصحابة من سبي بني حنيفة ، ولم يكونوا كتابيين . قال ابن عباس رضي الله عنهما : خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسرى بين الفداء والمن والقتل والاستعباد ، يفعل ما شاء ، وهذا هو الحق الذي لا قول سواه .] انتهى.
زاد المعاد ج1 /60-61)
قلت: قوله: وهو الحق الذي لا قول سواه أي التحقيق والصحيح الذي لا يصح نسبة سواه للنبي – صلى الله عليه وسلم – أو لشريعة الإسلام.
والحمد لله في الأولى والآخرة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More